قال الزمخشري : والمعنى إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ثِقالاً غلاظاً بحيث تبلغ إلى الأذقان فلم يَتَمَكَّن المَغلُول معنا من أن يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ.
الثاني : أن الضمير يعود على « الأيدي » لأن الغُلَّ لا يكون إلاَّ في العنق، واليدين، ولذلك سمي جامعة، ودَلَّ على الأيدي وإن لم تُذْكر للملازمة المفهومة من هذه الآلة أعني الغُلّ، وإليه ذهب الطَّبَرِيُّ إلا أن الزمخشري قال : جعل الإقماح نتيجة قوله :﴿ فَهِىَ إِلَى الأذقان ﴾ ولو كان للأيدي لم يكن معنى التسبب في الإقماح ظاهراً، على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف وترك للظاهر.
وفي هذا الكلام قولان :
أحدهما : أن جَعْل الأَغْلاَلِ حقيقة.
والثاني : أنه استعارة، وعلى كل من القَوْلين جماعة من الصَّحَابة والتابعين.
وقال الزَّمْخَشَرِيُّ :( مثل ) لتصميمهم على الكفر، وأنَّه لا سبيل إلى ارْعِوَائِهِمْ بأن جعلهم كالمَغْلُولِينَ المُقْمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يُطَأْطِئُونَ رُؤُوسَهُمْ له، وكالحاصلين بين سدّين لا يبصرون ما قدامهم ما خلفهم في أن لا تأمل لهم ولا تبصر وأنهم تعامون عن آيات الله. وقال غيره. هذا استعارة لمنع الله إيَّاهم من الإيمان وحولهم بينهم وبينه ( و ) قال ابن عطية : وهذا أرجح الأقوال؛ لأنه تعالى لما ذكر أنهم لا يُؤْمِنون لما سبق لهم في الأول عقب ذلك بأن جعل لهم من المنع وإحاطة الشَّقَاوة ما حالهم معه حال المغلوبين وتقدم تفسير الأّذْقان.
وقال ابن الخطيب : المانع إما أن يكون في النفس فهو الغُلّ وإما من الخارج فالسد، فلم يقع نظرهم على أنفسهم فيرون الآيات التي في أنفسهم كما قال تعالى :﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ ﴾ [ فصلت : ٥٣ ] وذلك لأن المُقْمَحَ لا يرى ( في ) نفسه ولا يقع بصره على بَدَنِهِ، ولا يقع نظرهم على الآفاق فلا يتبين لهم الآيات التي في الآفاق. وعلى هذا فقوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ.... وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ﴾ إشارة إلى عدم هدايتهم لآيات الله في ( الأنْفُسِ و ) الآفاق. « فَهُمْ مُقْمَحُونَ » هذا الفاء لأحسن ترتيب، لأنه لما وصلت الأغلال إلى الأذقان لعرضها لزم عن ذلك ارتفاع رُؤُوسهم إلى فَوْق. أو ولما جمعت الأيدي إلى الأذقان وصارت تحتها لزم من ذلك رفعها إلى فوق فترتفعُ رُؤُوسُهُمْ.
والإقماح رفع الرأس إلى فوق كالإقناع، وهو من قَمَحض البعيرُ رأسَه إذا رفعها بعد الشُّرْب، إما لبرودة الماء وإما لكراهة طعمه قُمُوحاً وقِمَاحاً - بكسر القاف وضمها- وأقمحتُه أَنَا إقْمَاحاً، والجَمْع قِماحٌ وأنشد :

٤١٦٨- وَنَحْنُ عَلَى جَوَانِبِهَا قُعُودٌ نَغُضُّ الطَّف كَالإبِلِ القِمَاحِ
يصف نفسه وجماعة كانوا في سفينة، فأصابهم المَيَدُ.
قال الزجاج قيل : الكَانُونَيْن شهراً قِماحٍ، لأن الإبل إذا وَرَدْنَ الماء رفعت رُؤُوسَها، لشِدة البرد وأنشد أبو زيد للهذلي :


الصفحة التالية
Icon