قال شهاب الدين :« وهذا قصور عن فهم ما قاله أهل البيان، فإنه جعل المقام الثاني - وهو الطلبي - مقام المقام الأول وهو الابتدائي ».
قوله :﴿ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرحمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ﴾ جعلوا كونهم بشراً مِثلهم دليلاً على عدم الإرسال. وهذا عام في المشركين قالوا في حق محمد عليه ( الصلاة و ) السلام :﴿ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا ﴾ [ ص : ٨ ] وإنما ظنُّوه دليلاً بناء على أنهم لم يعتقدوا في الله الاختيار وإنما قالوا : إنه موجب بالذات وقد استوينا في البشرية فلا يمكن ( الرجحان ) فرد الله تعالى عليهم بقوله :﴿ الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ] وبقوله :﴿ الله يجتبي إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ ويهدي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴾ [ الشورى : ١٣ ] إلى غير ذلك. ثم قالوا :« وَمَا أَنْزَل الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ » وهذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون مُتمِّماً لما ذكرو ( ه ) فيكون الكل شبهةً واحدة، والمعنى وما أنزل الله إليكم أحداً فكيف صرتم رسلاً؟!
والثاني : أن يكون هذا شبهة أخرى مستقلة وهي أنهم لما قالوا : أنتم بشر مثلنا، فلا يجوز رُجْحَانُكم علينا. ذكروا الشبهة من جهة النظر إلى المُرْسَلِين ثم قولا شبهة أخرى من جهة المرسِل وهو أنه تعالى ليس بمنزل شيئاً في هذا العالم، فإن تصرفه في العالم العلوي فاللَّهُ لم ينزل شيئاً من الأشياء في الدينا فكيف أنزل إليكم؟!.
وقوله تعالى :﴿ الرحمن ﴾ إشارة إلى الرد عليهم، لأن الله تعالى لما كان رَحْمنَ الدُّنْيَا، والإرسال رحمة فيكف لا ينزل رحمته وهو رَحْمن؟! ثم قال :« إنْ أَنْتُمْ إلاَّ تَكْذِبُونَ » أي ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون « إذْ أَرْسَلْنَا إلَيْهِم اثْنَيْنِ » قال وهب : اسمهما يحيى وبولس « فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا » برسول « ثَالِثٍ » وهو شمعون وقال كعب : الرسولان صَادِق وصدوق والثالث سلوم. وإنما أضاف الله الإرسال إليه، لأن عيسى عليه ( الصلاة و ) السلام - إنما بعثهم بأمرهم تعالى-.
قوله :﴿ قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾ وهذا إشارة إلى أنهم مجرد التكذيب لم يسأموا ولم يتركوا بل أعادوا ذلك لهم، وكرروا القول عليهم وأكدوه باليمين ﴿ قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾ وأكدوه باللام لأن علم الله يجري مَجْرَى القسم، كقوله :


الصفحة التالية
Icon