﴿ الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ] أي هو عالم بالأمور « وَمَا عَلَيْنَا إلاَّ البَلاَغُ المُبِينُ » وذلك تسلية لأنفسهم أي نحن خرجنا عن عُهْدَةِ ما علينا هو البَلاَغ وقوله « المبين » أي المبين الحق عن الباطل وه والفارق بالمعجزة والبُرهان؛ إذ البلاغ المظهر لما ارسلنا إلى الكل أي لا يكفي أن يبلغ الرسالة إلى شخص أو شخصين. أو المظهر للحق بكل ما يمكن فإذا لم يقبلوا الحق فهنالك الهلاك فما كان جوابهم بعد ذلك إلا قولهم :« إنا تَطَيَّرْنا بِكُمْ » أي تَشَاءمنا بكُمْ وذلك أن المطر حُبِسَ عنهم فقالوا أصابنا هذا بشؤمِكُمْ « لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمنَّكُمْ » لنقتلنّكم قاله قتادة.
وقيل : لنشتمنّكم « وليمسنكم منا عذاب أليم » فإن فسرنا الرجم بالحجارة فيكون قولهم :« وليمسنكم منا عَذَابٌ أَلِيمٌ » كأنه قالوا : لا نكتفي برجمكم بحجر أو حجرين بل نديم ذلك عليكم إلى الموت وهو العذاب الأليم أو يكون المراد : ولَيَمسَّنَّكُمْ بسبب الرجم منَّا عذاب أليم أي مُؤْلِم.
وإن قلنا : الرجم الشتم فكأنهم قولوا ولا يكفينا الشتم بل شتم يؤدي إلى الضرب والإيلام الحِسِّيِّ. إذا فسرنا « أليم » بمعنى مؤلم فالفَعِيلُ بمعنى مُفْعِل قليلٌ.
ويحتمل أن يقال : هو من باب قوله :﴿ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٢١ ] أي ذاتِ رِضَا أي عذابٌ ذُو ألَمٍ، فيكون فعلي بمعنى فَاعِلٍ وهو كثيرٌ.
ثم أجابهم المرسلون فقالوا « طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ » أي شؤمكم معكم، أي كُفْركُمْ.
قوله :« طائركم » العامة على « طائِر » اسم فاعل أي ما طَارَ لكم من الخير والشر، فغبر به عن الحظ والنصيب وقرأ الحسن- فيما روى عنه الزمخشري « اطَّيْرُكُمْ » مصدر اطَّيَّرَ الذي أصله تَطَيَّرَ، فلما أريد إدغامه أبدلت الفاء طاء وسكنت واجتلبت همزة الوصل وصار اطَّيَّر، فيكون مصدره « اطَّيَّاراً ».
ولما ذكر أبو حيان هذا لم يرد عليه وكان ( هو ) في بعض ما رد به على ابن مالك في شرح التسهيل في باب المصادر أن مصدر « تَطَيَّر وتَدَارأ » إذا أدغما وصار « اطَّيَّر وادَّارأ » لا يجيء مصدرهما علهيما، بل عل أصلهما، فيقال : اطَّيَّر تَطَيُّراً، وادَّارأَ تَدَرُءاً. ولكن هذه القراءة تَردُّه إنْ صحت وهو بعيدٌ.
وقد روى غيره طَيْرُكُمْ بياء ساكنة ويغلب على الظن أنها هذه وإنما تصحفت على الرواي فحسبها مصدراً وظن أن ألف « قالوا » همزةُ وَصْلٍ.
قوله :﴿ أَإِن ذُكِّرْتُم ﴾ قرأ السبعة بهمزة استفهام بعدها إن الشرطية وهم على أصولهم من التسهيل والتحقيق، وإدخال ألف بين الهمزتين وعدمه في سورة ( البقرة ) واخْتَلَفَ سيبويه ويونسُ إذا اجتمع استفهام وشرط أَيُّهُما يُجَابُ؟ فذهب سيبويه إلى أجابة الاستفهام، ويونُس إلى إجابة الشرط.


الصفحة التالية
Icon