﴿ سَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [ الزمر : ٣٦ ] يعني هو تحت إرادتِهِ.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله هنا :« إن يُرِدْني الرحمن » بصيغة المضارع وقال في الزمر :﴿ إِنْ أَرَادَنِيَ الله ﴾ [ الزمر : ٣٨ ] بصيغ الماضي وذكر المريد هنا باسم الرحمن وذكر المريد هناك اسم الله؟.
فالجواب أن الماضي والمستقبل مع لاشرط يصير الماضي والمستقبل مع الشرط يصير الماضي مستقبلاً لأن المذكور هنا من قبل بصيغة الاستقبال في قوله :﴿ أَأَتَّخِذُ ﴾ وقوله :﴿ وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ﴾ والمذكرو هناك من قبل بصيغة الماضي قوله :﴿ أَفَرَأَيْتُم ﴾ [ الزمر : ٣٨ ].
قوله :﴿ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئا ﴾ [ يس : ٢٣ ] أي إن يَمْسَسْنِي اللَّهُ بضرِّ أي بسوء ومكروه لا تُغْنِ شفاعتهم شيئاً أي لا شفاعة لها فتغني « ولا يُنْقِذُونِ » من ذلك المكروه أو لا ينقذون من العذاب لو عذبني الله إن فعلت ذلك. قوله تعالى :﴿ إني إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ أي خطأ ظهار إن فعلت ذلك فأنا ضالٌّ ضلالاً بيناً. و « المُبِينُ » مُفْعِل بمعنى « فَعِيل » وعكسه « فَعِيلٌ » بمعى مُفْعِل في قوله « أليم » بمعنى مؤلم.
قوله :﴿ إني آمَنتُ بِرَبِّكُمْ ﴾ فيه وجوه :
أحدها : أنه خطاب المرسلين. قال المفسرون : أقبل القوم عليه يريدون قلته فأقبل هو للمرسلين وقال : إنِّي آمن بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُوا قولي واشهدوا لي.
والثاني : هم الكفار لمَّا نصحهم وما نفعهم قال آمنت فاسمعون.
الثالث : بركم أيها السامعون فاسمعوني على العموم كقول الواعظ : يا مِسْكينُ ما أَكْثَرَ أَمَلَك ( وما أتْرَرَ عَمَلَك « يريد كل سامع يسمعه وفي قوله » فَاسْمَعُونَ « فوائد منها : أنه كلام متفكر حيث قال : اسمعوا فإن المتكلم إذا كان يعمل أن لكلامه جماعةً سامعين يتفكر، ومنها أن ينبه القوم ويقول : إن أخبرتكم بما فعلت حتى لا يقولوا لم أخفيت عنا أمرك ولو أظهرته لآمنا معك.
فإن قيل : قال من قبل : مَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الِّذي فطرني، وقال ههنا : آمنتُ بربكم ولم يقل : آمن بربي!؟ فالجواب : إن قلنا : الخطاب مع الرسل فالأمر ظاهر لأنه لما قال : آمنتُ برَبِّكُمْ ظهر عند الرسل أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه وقال »
بِرَبِّكُمْ « وإن قلنا : الخطابُ مع الكفار ففيه ( وجوه ) بيان للتوحيد لأنه لما قال :» أعبد الذي فطرني « ثم قال :» آمنت بربكم فاسمعون « فُهِمَ أنه يقول : ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم بخلاف ما لو قال : آمن بربي فيقول الكافر : وأنا أيضاً آمنت بربي.
قوله :﴿ فاسمعون ﴾ العامة على كسر النون وهي نون الوقاية حذفت بعدها ياء الإضافة مُجتزءاً عنْهَا بكسرة النون وهي اللغة الغالية. وقرأ عِصْمَةُ عن عصم بفتحها وليست إلا غلط ( على عاصم )، إذ لا وجه ( لها ) وقد وقع لابن عطية وَهَمٌ فاحش في ذلك فقال : وقرأ الجمهور بفتح النون وقال أبو حاتم : هذا خطأ فلا يجوز لأنه أمر فإما حذف النون وإما كسرها على جهة الياء عين ياء المتكلم، وقد يكون قوله :»
الجمهور « سبقَ قلم منه أو من النساخ وكان الأصل : وقرأ غيرُ الجمهور فسقط لفظة » غيره « ( و ) قال ابن عطية حذف من الكلام ما تواترت الأخبار والروايات به وهو أنهم قتلوه فقيل له عند موته : ادْخُلِ الجَنَّة بَعْدَ القتل وقيل : قوله :( قِيلَ ) ادخل الجنة عطف على قوله :﴿ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ ﴾ فعلى الأول يكون قوله :﴿ ياليت قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾ بعد موته والله أخبر بقوله، وعلى الثاني قال ذلك في حياته وكان يسمع الرسل يقولون إنه من الداخلين الجنة وصدقهم وقعطع به.


الصفحة التالية
Icon