فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد ما أنزل عليهم جنداً بأمر من السماء فتكون للعموم.
والثاني : أن العذاب نزل عليهم من السماء فبين أن النازل لم يكن جنداً وإنما كان بصيحة أخذتهم وخربت ديارهم.
فإن قيل : أي فائدة في قوله :﴿ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ مع قوله :﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا ﴾ وهو يستلزم أن لا يكون من المنزلين؟.
فالجواب : أنه قوله :« وما كنا » أي ما كان ينبغي أن ينزل لأن الأمر كان يتم بدون ذلك والمعنى وما أنزلنا وما كنا محتاجين إلى الإنزال أو وما أنزلنا وما كمنا منزلين في مثل تلك الواقعة جنداً في غير تلك الواقعة أي وما أنزلنا على قومه من بعده أي على قوم حبيب من بعد قتله من جنده وما كنا منزلين ما ننزله على الأمم إذا أهلكناهم كالطُّوفَانِ والصَّاعِقَةِ والرِّيح.
فإن قيل : فكيف أنزل الله جنوداً في يوم « بدر » وفي غير ذلك حيث قال تعالى :﴿ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ [ الأحزاب : ٩ ].
فالجواب : أن ذلك تعظيماً لمحمد - عليه ( الصلاة والسلام ) وإلاَّ لكان تحريك رِيشَةٍ من جَنَاح ملكٍ كافياً في استئصالهم ولم تكن رسل ( عيسى ) ﷺ في درجة محمد عليه السلام ثم بين الله تعالى عقوبتهم فقالك « إنْ كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً واحَدِةً ».
قوله :﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً ﴾ العامة على النصب على أنَّ « كان » ناقصة واسمها ضمير الأَخْذ لدلالة السِّياق عليها و « صَيْحَةً » خبرها وقرأ أبو جعفر وشيبَةُ ومُعاذ القَارئ برفعها على أنها التامة أي إن وَقَعَ وحَدَثَ وكان ينبغي أن لا يلحق تاء التأنيث للفصل « بإلا » بل الواجب في غير ندور واضطرار حذف التاء نحو : مَا قَامَ إلاَّ هِنْدٌ وقد شذ الحسن وجماعة فقرأوا :﴿ لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ ﴾ [ الأحقاف : ٢٥ ] كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقوله :
٤١٧٥-............... | وَمَا بَقِيَتْ إلاَّ الضُّلُوعُ الجَرَاشِعُ |
٤١٧٦- مَا بَرِئَت مِنْ رِيبَة وَذَمّ | فِي حَرْبِنَا إلاَّ بَنَاتُ العَمّ |
فإنهم قتلوا مؤمناً كان ينصحهم وأما الشهوة فلأنهم احتلموا العذاب الدائم بسبب استيفاء اللذات الخالية فإذن كانوا كالنار الموقَدَة لأنهم كانوا جبارين ومستكبرين كالنار ومن خلق منها « فَإذَا هُمْ خَامِدُونَ » ميتِّون. قال المفسرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ثم صح بهم صيحة واحدة فإذا هُمْ خامدن ميتون.