وأما على المعنى فلا يصح أيضاً لأنه قال تقديره : أي على ( هذا ) العنى ألميروا كثرة إهلاكنا القرونَ من قبلهم كَوْنَهم غيرَ راجعين إليهم. فكونهم غير كذا ليس كثرة الإهلاك فلا يكون بدل كل من كل وليس بعض الإهلاك فلا يكون ( بدل بعض من كل ولا يكون ) بدل اشتمال لأن بدل الاشتمال يصيح أنْ يُضَافَ إلى ما أبدل منه وكذلك بدل بعض من كل وهذا لا يصيح هنا لا نقول : ألم يروا انتفاء رجوع كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم وفي بدل الاشتمال نحو : أعجبتني الجارية ملاحتها وسُرقَ زيد ثوبُه يصح أعجبتني ملاحةُ الجارية وسُرق ثَوْبُ زَيْدٍ.
الرابع : أن يكون أنهم بدلاً من موضع « كم أهلكنا » والتقدير ألم يروا أنهم إليهم قاله أبو البقاء ورده أبو حيان بأن « كم أهلكنا » لي بمعمول « ليروا » قال شهاب الدين : وقد تقدم أنها معمولة لها على معنى أنه معلقة لَهَا.
الخامس : وهو قول الفراء : أن يكون « يروا » علاماً في الجملتين من غير إبدال ولم يبين كيفية العمل وقوله الجملتين يجوز لأن « أنهم » ليس بجملة لتأويله بالمفرد إلا أنه مشتمل على مُسْنَدٍ ومُسْنَدٍ إليه.
السادس :( أن ) « أنَّهُم » معمول لفعل محذوف دل عليه السِّيَاق والمعنى تقديره : قَضَينَا وحَكَمْنَا أنَّهُمْ إليهم لا يرجعون ويدل على صحة هذا قول ابنِ عباس والحسن إنَّهُمْ بكسر الهمزة على الاستئنانف والاستئناف قطع لهذه الجملة عما قبلها فهما مقولان تكون معمولة لفعل محذوف يقتضي انقطاعها عما قبلها والضمير في « أنهم » عائد على معنى كم، وفي « إليهم » عائد على ما عاد عليه واو « يَرَوا » ( وقيل : بل الأول عائد على ما عاد عليه واو يَرَوْا « والثاني عائد على المُهْلَكِينَ.
فصل
المعنى ألم يخبروا أهل مكة كم أهلكنا قبلهم من القرون والقرن أَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ سموا بذلك لاقترانهم في الوجود أنَّهُمْ إلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ أي لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعبترون وقيل : لا يرجعون أي الباقون لا يرجعون إلى المُهْلَكين بنسب ولا ولادة أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم ولا شك أنَّ الإهلاك الذي يكون مع قطع النّيل أتم وأعم والأول أشه نقلاً والثاني أظهر عقلاً.
قوله :﴿ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ ﴾ تقدم فيهود تشديد » لمَّا « وتخفيفها والكلام في ذلك، وقال ابن الخطيب في مناسبة وقع » لما « المشددة موقع » إلا « : إن لما كأنَّهَا حَرْفا نفي جمعاً وهما :» لَمْ « و » مَا « فتأكد النفي وإلا كأنها حرفا نفي :» إن ولاَ « فاستعمل أحدهما مكان الآخر انتهى وهذا يجوز أن يكون أخذه من قول الفراء في إلا في الاستثناء إنها مركبة من » إنْ ولاَ « إلا أنَّ الفراء جعل إنْ مخففة من الثقيلة وجعلها نافية وهو قول ركيك رَدَّهُ عليه النحويون وقال الفراء أيضاً إنّ لما هذه أصلها لَمْمَ فخففت بالحذف وتقديم هذا كله مُوَضِّحاً.