فإِنْ قِيلَ : فهل بين قولنا :« كُلٌّ منْهُمْ » وبين :« كُلّهم » وبين « كُلِّ » فرق؟.
فالجواب : نعم فقولك : كلهم يثبت الأمر للاقتصار عليهم، وقولك : كُلّ منهم يثبت الأمر أولاً للعموم ثم استدركه بالتخصيص فقال : منْهم وقولك : كلّ يثبت الأمر على العموم وتركت عليه فإن قيل : إذا كان « كُلّ » معناه كل واحد منهم والمذكور الشمس والقمر فكيْفَ قال : يَسْبَحُونَ؟.
فالجواب : أن قوله « كل » للعموم فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيَّاراً. وأيضاً فلفظ « كل » يجوز أن يوحَّد نظراً إلى كون لفظه مُوحِّداً غير مثنى ولا مجموع ويجوز أن يجمع لكونه معناه جمعاً، وأما التثنيه فلا يدل عليه اللفظ ولا المعنى وعلى هذا يحسن أن يقال :« زَيْدٌ وعمرٌو كُلُّ جَاءَ » ولا يقال :( كل ) جَاءَا بالتثنية. وجواب آخراً قوله :﴿ وَلاَ الليل سَابِقُ ﴾ فالمراد من الليل الكواكب فقال :« يَسْبَحُونَ ».
المستديرة التي توضع على رأس العمود، لئِلا يمزق العمود الخيمة وهي صفحة مستديرة. فإن قيل : فعلى هذا تكون السماء مستديرةً وقد اتفق أكثر المفسرين ( على ) أنَّ السماءَ مبسوطةٌ لها أطراف على جبال وهي كالسَّقْقِ المُسْتَوِي ويدل عليه قوله تعالى :﴿ والسقف المرفوع ﴾ [ الطور : ٥ ] قال ابن الخطيب : ليس في النصوص ما يدل دلالة قاطعة على كون السماء مبسوطة غير مستديرة بل دل الدليل الحِسِّيُّ على كونها مستديرةً فوجب المصير إليه والسقف والمقَبَّب لا يخرج عن كونه سقفاً وكذلك كونه على جبال. وأما الدليل الحسي فوجوه :
الأول : أن من أمْعَنَ في النظر في جانب الجنوب تظهر له كواكب مثل سُهَيْل وغيره ظهوراً أبدياً ولو كان السماء سطحاً مستوياً لبان الكُلُّ للكلِّ بخلاف ما إذا كان مستديراً فإن بضعه حينئذ يستتر بأطراف الأرض فلا يُرَى.
الثاني : أن الشمس إذا كانت مقارنة للحَمَل مثلاً فإذا غربت ظهر لك كواكبُ في منطقة البروج من الحَمل إلى المِيزان ثم في كل قليل يستتر الكوكب الذي يكون طلوعه بعدَ طلوع الشمس وبالعكس وهذا دليل ظاهر وإن بحث فيه يصير ( قَطْعيًّا ).
الثالث : أن الشمس قبل طلوعها وبعد غروبها يظهر ضوؤها ويستنير نورُها وإلا لما كان كذا بل كان ( عن ) إعادتها إلى السماء يظهر لك أحد جِرْمُها ونورُها معاً لكون السماء مستوية ( حنيئذ مكشوفة كلها لكل أحد.
الرابع : لو كانت السماء مستويةً ) لكان القمرُ عندما يكون فوق رُؤُوسِنَا على المُسَامَتَةِ أقرب ما يكون إلينا وعندما يكون على الأفق أبعد منا لأن العمودأصغرُ من القُطْرِ والوتر وكذلك في الشمس والكواكب وكان يجب أن يرى أكبر لأن القريب يرى أكبر وليس كذلِكَ.
الخامس : لو كانت السماءُ مستويةً لكان ارتفاعها أَولَ النهار ووَسَطَهُ وآخِرَهُ مستوياً وليس كذلك. والوجوه كثيرة وفي هذا كفايةٌ.

فصل


قال المُنَجِّمُونَ قوله تعالى :﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ يدل على أنها أحياء لأن ذلك لا يطلق إلا على العاقل قال ابن الخطيب إن أرادوا القَدْرَ الذي يكون منها التسبيح فنقول به لأن كل شيء يسبح بحمده وإن أرادوا شيئاً آخر فلم يثبت ذلك والاستعمال لا يدل كا في قوله تعالى في حق الأصنام :﴿ مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ ﴾ [ الصفات : ٩٢ ] وقوله :﴿ أَلا تَأْكُلُونَ ﴾ [ الصافات : ٩١ ].


الصفحة التالية
Icon