قوله تعالى :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ لما مَنَّ بإحياء الأرض وهي مكان الحيوانات بين أنه لم يقتصر عليه بل بين للإنسان طريقاً يتخذ من البحر ويسير فيها كما يسير في البر وهو كقوله تعالى :﴿ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البر والبحر ﴾ [ الإسراء : ٧٠ ] ويؤيد هذا قوله تعالى :﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ إذا فسرناه بأن المراد منه الإبل فإنها سفُن البرِّ. ووجه آخر وهو أن الله تعالى لما بين سِبَاحَةَ الكواكب في الأفلاك ذكر ما هو مثله وهو سباحة الفُلْكِ في البحار ووجه آخر وهو أن الأمور التي أنعم الله ( تعالى ) بها على عباده منها ضرورة ومنها نافعة فالأول للحاجة والثاني للزينة فخلق الله الأرض وإحياؤها من القبيل الأول فإنها المكان الذي لولاه لما وجد الإنسان ولولا إحياؤها لما عاش الإنسان، والليل والنهار في قوله :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل ﴾ [ يس : ٣٧ ] أيضاً من القبيل الأول لأنه الزمان الذي لولاه لما حدث الإنسان والشمسُ والقمرُ وحركتُهُما لو لم تكن لما عاش الإنسان، ثم إنه تعالى لما ذكر من القبيل الأول وآيتين ذكر من القبيل الثاني وهو الزينة آيتين :
إحداهما : الفُلْك التي تجري في البحر فتستخرج من البحر ما يُتَزَيَّنُ به كما قال تعالى :﴿ وَمَا يَسْتَوِي البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفلك فِيهِ مَوَاخِرَ ﴾ [ فاطر : ١٢ ].
وثانيهما : الدَّوَابُّ التي هي البرّ كالفُلْك في البحر في قوله :﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ فإن الدوابَّ زينة كما قال تعالى :﴿ والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ [ النحل : ٨ ].
قوله :﴿ أَنَّا حَمَلْنَا ﴾ مبتدأ « وآية » خبر مقدم، وجوز أبو البقاء أن يكون :« أَنَّا حَمَلْنَا » خبر مبتدأ محذوف بناء منه على أن « آية لهم » مبتدأ وخبر كلام مستقل بنفسه كما تقدم في نظيره والظاهر أن الضميرين في « لَهُمْ » و « ذُرِّيَّتهم » لشيء واحد ويراد بالذرية آباؤهم المحمولين في سفينة نوح - عليه ( الصلاة و ) السلام- أو يكون الضميران مختلفين أي ذرية القرون الماضية ووجه الامتنان عليهم أنهم في ذلك مِثْلُ الذرية من حيث إنهم ينتفعون بها كانتفاع أولئلك. وقوله « مَا يَرْكَبُونَ » هذا يحتمل أن يكون من جنس الفُلْك إِن أريد بالفلك سفينة نوح - عليه ( الصلاة و ) السلام- خاصة وأن يكون من جنس آخر كالإبل ونحوه ولهذا سمتها العربُ سُفُنّ البرِّ فقوله :« مِنْ مِثْلِهِ » أي من مثل الفلك أو من مثل ما ذكر من خلق الأزواج، ( في قوله « وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ » ) والضمير في « لهم » يحتمل أن يكون عائداً إلى الذرية أي حملنا ذريتهم وخَلَقْنَا للمحمولين ما يركبون، ويحتمل أن يعود إلى العباد الذين عاد إليْهِمْ قَوْلُهُ :« وَآيَةٌ لَهُمْ » وهو الظاهر لعود الضمائر إلى شيء واحد و « مِنْ » يحتمل أن تكون صلة أي خلقنا لهم مِثْلَهُ وأن تكون لِلْبَيَانِ لأن المخلوق كان أشياء.


الصفحة التالية
Icon