﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية ﴾ [ الحاقة : ١١ ] منَّ عليهم هناك بحمل أنفسهم.
فالجواب : أن من ينفع المتعلق بالغير يكون قد نفع ذلك الغير ومن يدفع الضر عن المتعلّق بالغير لا يكون قد دفع الضر عن ذلك الغير بل يكون قد نفعه كمن أحسن إلى ولد إنسان وفرَّحَةُ فَرِحَ بفَرَحِهِ أبوه وإذا دفع الألم عن ولد إنسان يكون قد فَرَّح أباه ولا يكون في الحقيقة أزال الألم عن أبيه فعنْد طغيان الماء كان الضرر يلحقهم فقال : دفعت وههنا عنكم الضّرر ولو قلا : دفعت عن أولادكم الضرر لما حصل بين دفع الضرر عنهم وههنا أراد بيان المنافع فقال :« حملنا ذرياتهم » لأنَّ النفع حاصل بنفع الذرية، ويدل على هذا قوله :« فِي الفُلْكِ المشحون » فإن امتلأ الفلك من الأموال يحصل ( بذكره ) بيان المنفعة وإذا دفع المضرة فلا لأن الفلك كلما كان أثقل كان الخلاص بها أبطأ وهنالك السلامة فاختار هناك ما يدل على الخلاص من الضرر وهو الجري وههنا ما يدل على كمال المنفعة وهو الشّحْن.
فإن قيل : قال تعالى :﴿ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البر والبحر ﴾ [ الإسراء : ٧٠ ] ولم يقل : وحملنا ذريتكم مع أن المقصود في الموضعين بيان النعمة لا دفع النِّقْمة نقول : لما قال في البرّ والبحر عَمّ الخلق لأن ما من أحدٍ إلا وحمل في البر والبحر وأما الحمل في البحر فلم يَعُمّ فقال إن كنا ما حملناكم بأنفسكم فقد حملنا من يهمكم أمره من الأولاد والأقارب والإخوان والأصدقاء.
فصل
وفي قوله :« المشحون » فائدة أخرى وهي أن الآدمِيِّ يرسُب في الماء ويَغْرقُ فحمله في الفلك واقع بقدرته لكن من الطَّبِيعيِّنَ من يقول : الخفيف لا يرسب ومع هذا حمل الله الإنسان فيه مع ثقله.
فإن قيل : ما الحكمةُ في قوله :« وآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ ( و ) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ » ؟ ولم يقل : وآية لهم الفلك جعلناها بحيث تحملهم؟.
فالجواب : أن حملهم في الفلك هو العجيب. أما نفس الفلك فليس بعجيب لأنه كَبيْتٍ مَبْنِيِّ من خشب وأما نفس الأرض فعجيب ونفس الليل عجيب لا قدرة لأحد عليهما إلا الله.
قوله :﴿ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ ﴾ قرأ الحسن بتشديد الراء وهذه الآية تدل على أن المراد بقوله :﴿ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ الفلك الموجود في زمانهم وليس المراد الإبل كما قاله بعض المفسرين بأن المراد الإبلُ لأنها سفنُ البرِّ لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون قوله :﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ فاصلاً بين متصلين. ويحتمل أن يقال : الضمي في مثله يعود إلى معلوم غير مذكور. وتقريره أن يقال : وخَلَقْنَا لهم من مثل ما ذكر من المخلوقات كما في قوله تعالى :﴿ لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ ﴾ [ يس : ٣٥ ] أن الهاء عائدة إلى ما ذكرنا أي من ثمرنا.
فصل
في قوله :﴿ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ ﴾ فائدتان :
إحداهما : أن في حال النعمة ينبغي أن لا يُؤْمَنَ عذابُ الله.