وقرأ جماعة « يخِصِّمُونَ » بكسر الياء والخاء وتشديد الصاد وكسروا الياء إتباعاً وقرأ أبيّ يَخْتَصِمُونَ على الأصل، وقال أبو حيان وروي عنهما- أي عن أبي عمرو وقالون - سكون الخاء، وتخفيف الصاد من خَصَم قال شهاب الدين : هذه هي قراءة حَمْزَةَ ولم يحكِها هو عنه، وهذا يشبه قوله :﴿ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٠ ] في البقرة و « لاَ يَهْدِّي » في يُونُس وقرأ ابن مُحَيْصِن « يرجعون » مبنيٍّا للمفعول.
فصل
قال عليه ( الصلاة و ) السلام :« لَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يِبِيعانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ الرَّجُلُ أَكْلَتَهُ إلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُها ».
قوله :﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ﴾ أي لا يقدرون على الإيصاء قال مقاتل : أي أعجلوا عن الوصية فماتوا « وَ لاَ إلَى أَهْلِهِمْ يرْجِعُونَ » يَنْقَلِبُونَ. أي أنَّ الساعة لا تُمْهِلْهُم لشيء.
واعلم أن قول القائل : فلان في هذه الحالة لا يوصي دون قوله لايستطيع التوصية لأن ما من لايوصي قد يستطيعها والتوصية بالقول، والقول يوجد أسرع مما يوجد الفعل فقال : لا يتسطيعون كلمة، فكيف الذي يحتاج إلى زمن طويل من أداء الواجبات ورد المظالم؟! واعتبار الوصية من بين سائر الكلمات يدل على أنه لا قدرة له على أهم الكلمات فإن وقت الموت الحاجة إلى الوصية أمسّ. والتنكير في التوصية للتعميم أي لا يقدر على توصية ( ما ) ولو كانت بِكَلِمةٍ يسيرة، ولأن الوصية قد تحصل بالإشارة، فالعاجز عنها عاجز عن غيرها. قوله :﴿ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ بيان لشدة الحاجة إلى التوصية، ثم بين ما بعد الصيحة الأولى فقال :﴿ وَنُفِخَ فِي الصور ﴾ أي نفخ فيه أخرى كقوله تعالى :﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ [ الزمر : ٦٨ ] وقرأ الأعرج ونفخ في الصور بتفح لاواو وهي القبور واحدها جَدَث، وقرئ من الأجدافِ بالفاء، وهو لغة في الأجداث يقال : جَدَث، وجَدَف كثمَّ وفُمَّ، وثُوم، وفُوم.
فإن فيل : أين يكون ذلك الوقت وقد زلزت الصيحة الجبال؟.
فالجواب : أن الله يجمع أجزاء كل ميت في الموضع الذي أقْرِرَ فيه من ذلك الموضع وهو جدثه.
قوله :﴿ إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ أي يخرجون من القبور أحياء. وقرأ ابنُ أبي إسحاق وأبو عمرو في رواية : يَنْسُلُونَ بضم السين، يقال : نَسَلَ الثعلبُ يَنْسِلُ وَنْسُلُ إذا أسرع في عَدْوِهِ، ومنه قيل للولد : نَسَل لخروجه من ظهر أبيه وبطن أمه.
فإن قيل : المسيء إذا توجه إلى من أحسن إليه يقدم رِجْلاً ويؤخر أخرى والنَّسلاَن سرعة الشيء فكيف يوجد بينهم ذلك؟
فالجواب : ينسلون من غير اختيارهم والمعنى أنه أراد أن يبين كمال قدرته ونفوذ إرادته حيث نفخ في الصور فيكون في وقته جمع وإحياء وقيام وعدو في زمان واحد، فقوله :« إذَا هُمْ يَنْسِلُونَ » أي في زمان واحد ينتهون إلى هذه الدرجة وهي النسلان الذي لا يكون إلا بعد مراتب.