فإن قيل : قال في آية ﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ [ الزمر : ٦٨ ] وقال ههنا :﴿ فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ والقيام غير النسلان فقوله في الموضعين :« إذا هم » يقتضي أن يكونا معاً.
فالجواب من وجهين :
الأول : أن القيام لا ينافي المشي السريع لأن الماشي قائم ولا ينافي النظر.
الثاني : أن لسرعة الأمور كأن الكل في زمان واحد كقول القائل :

٤١٨٣- مِكَرِّ مِفَرِّ مُقْبِل مُدْبِرٍ مَعاً ..................................
واعمل أن النفختين تورثان تزلزلاً وانقلاباً للأجرام فعند اجتماع الأجرامِ يُفَرِّقها وهو المراد بالنفخة الأولى وعند تفرق الأجرام يجمعها وهو النفخة الثانية.
قوله :﴿ ياويلنا ﴾ العامة على الإضافة إلى ضمير المتكلمين دون تأنيث وهو « ويل » مضاف لما بعده. ونقل أبو البقاء أن « وَيْ » كلمة براسها عن الكوفيين و « لنا » جار ومجرور انتهى قال شهاب الدين : ولا معنى لهذا إلا بتأويل بعيد وهو أن يكون يا غَجَب لنا، لأن « وَيْ » تفسير بمعنى أعجب منا وابنُ أَبِي لَيْلَى يا ويلتنا بتاء التأنيث وعنه أيضاً يَا وَيْلَتِي بإبدال التاء ألفاً وتلأأويل هذه أن كل واحد منهم يقول يا ويلتي.
قوله :﴿ مَنْ بَعَثَنَا ﴾ العامة على فتح ميم « من » و « بعثنا » فعلاً ماضياً خبراً « لمنْ » الاستفهامية قبله، وابن عباس والضحاك وأبو نُهَيْك بكسر الميم على أنها حرف جر، و « بعثنا » مصدر مجرور « بمن » ف « من » الأولى تتعلق بالويل والثانية تتعلق بالبعث. والمَرْقَدُ يجوز أن يكون مصدراً أي من رُقَادِنَا وأن يكون مكاناً وهو مفرد أقيم مُقَام الجمع والأول أحسن؛ إذ المصدر يفرد مطقاً.

فصل


قال ابن عباس وأبيّ بن كعب وقتادة : إنما يقولون هذا لأن الله يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة، دعوا بالويل. وقال ( أهل ) المعاني : الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم فقالوا : مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا.
فإن قيل : لو قيل : فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون يقولون يا ويلنا كان أليق قال ابن الخطيب : نقول : معاذ الله وذلك لأن قوله إذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون إشارة إلى أنهم تعالى باسرع زمان يجمع أجزاءهم وؤلفها ويحييها ويحركها بحيث يقع نسلانهم في وقت النفخ مع أن ذلك لا بدّ له من الجمع والتأليف فلو قال يقولون لكان ذلك مثل الحال لنيسلون أي نسلون قائلين يا ويلنا وليس كذلك فإن قولهم : يا ويلنا قبل أن ينسلوا وإنما ذكر النسلان لما ذكرنا من الفائدة.
فإن قيل : ما وجه تعلق « مَنْ بعَثنَا مِنْ مَرْقَدِنَا » بقولهم « يَا وَيْلَنَا » ؟
فالجواب : لما بعثوا تذكروا ما كانوا يمسعون من الرسل فقالوا : يَاوَيْلَنَا أبَعَث الله البَعْثَ الموعود به أم كنا نِيَاماً هنا كما إذا كان إنسان موعوداً بأن يأتيه عدو لايطيقه ثم يَرَى رَجُلاً هائلاً يقبل عليه فيرتجف في نفسه ويقول أهذا ذاك أم لا؟.


الصفحة التالية
Icon