ويدل على هذا قولهم :﴿ مِنْ مَرْقَدِنَا ﴾ حيث جعلوا القبور موضع الرُّقَاد إشارة إلى أنهم شكوا في أنهم كانوا نيَاماً فنبهوا أو كانوا موتى فبعثوا وكان الغالب على ظنهم هو البعث فجمعوا بين الأمرين وقالوا من بعثنا إشارة إلى ظنهم أنه بعثهم الموعود به وقالوا من مرقدنما إشارة إلى توهمهم احتمال الانْتِبَاه.
قوله :﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن ﴾ في « هذا » وجهان :
أظهرهما : أنه مبتدأ وما بعده خبره ويكون الوقوف تامًّا على قوله :﴿ مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ وهذه الجملة حينئذ فيها وجهان :
أحدهما : أنها مستأنفة إما من قول الله تعالى، أو من قول الملائكة، أو من قول المؤمنين للكفار.
الثاني : أنها من كلام الكفار فيكون في محلّ نصب بالقَول.
والثاني من الوجهين الأولي :( أن ) « هذا » صفة « لمرقدنا » و « مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ » منقطع عما قبله ثم في « ما » وجهان :
أحدهما : أنها في محل رفع بالابتداء والخبر مقدر أي الذي وعده الرحمن وصدق فيه المرسلون حق عليكم وإليه ذهب الزجاج والزمخشري.
والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر أي هذا وعد الرحمن، وقد تقدم في ألو الكهف أن حَفْصاً يقف على « مرقدنا » وقفلةً لطيفة دون قطع نفس لئلا يتوهم أن اسم الإشارة تباع ل « مَرْقَدِنَا » وهذا الوَجْهَانِ يقويان ذلك المعنى المذكور الذي تعمد الوقف لأجله، و « ما » يصحّ أن تكون موصولة اسمية أو حرفية كما تقدم ومفعولاً الوعد والصدق محذفوفان أي وَعَدَنَاهُ الرَّحْمَنُ وصَدَقَنَاهُ المرسلون والأصل « صدقنا فيه » ويجوز حذف الخاضف وقد تقدم ذلك نحو : صَدَقَنِي سنَّ بكْرِ ( هِ ) أي في سنه.
قوله :﴿ ِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ تقدمت قراءتا :﴿ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ [ يس : ٥٣ ] نصباً ورفعاً أي ما كانت النفخة إلا صيحة واحدة، ويدل على النفخة قوله :﴿ وَنُفِخَ فِي الصور ﴾ ويحتمل أن يقال : إنها كانت الواقعة وقرئت الصيحة مرفوعة على أن « كان » هي التامة بمعنى « ما وقعتْ إلاَّ صَيْحَةٌ » قال الزمخشري : لو كان كذلك لكان الأحسن أن يقال : إن كان؛ لأن المعنى حينئذ ما وقع شيء إلى صيحة لكن التأنيث جائز إحالته على الظاهر ويمكن أن يقول الذي قرأ بالرفع إن قوله :﴿ إِذَا وَقَعَتِ الواقعة ﴾ [ الواقعة : ١ ] تأنيث تهويل ومبالغة بدليل قوله تعالى :﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ [ الواقعة : ٢ ] فإنها للمبالغة فكذلك ههنا قالك « إنْ كانت إلا موتتنا الأولى » تأنيث تهويل، ولهذا جاءت أسماء يوم الحشر كلها مؤنثة كالقيامة والقارعة والحَاقَة والصَّاخَّة إلى غيرها.


الصفحة التالية
Icon