وإن أراد الانقطاع على ما تقدم فهو صحيح.

فصل


واحتجوا لقراءة التخفيف بقوله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢١٢ ] وروى مجاهد عن ابن عباس : أن الشياطين يسمعون إلى الملأ الأعلى ثم يمنعون ولا يسمعون وللأولين أن يجيبوا فيقولوا التنصيص على كونهم معزولين عن السمع لا يمنع من كونهم معزولين أيضاً عن التسمع بدلالة هذه الآية بل هذا أقوى في رَدْع الشياطين ومنعهم من استماع أخبار السماء فإن الذي منع من الاستماع بأن يكون ممنوعاً عن السمع أولى واعلم أن الفرق بين قوله : سَمِعْتُ حَدِيثَ فُلاَن وبين قولك : سمِعْتُ إلى حَدِيثه أنّ قولك : سِمِعْتُ حديثَه يفيد الإدراك وسمعت إلى حديثه يفيد الإصفاء مع الإدراك وفي قوله :« لا يسمعون إلى الملأ الأعلى » قولان أشهرهما : أن تقدير الكلام لئلا يسمعوا، فلما حذف الناصب صار كقوله :﴿ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ﴾ [ النساء : ١٧٦ ] وقوله :﴿ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ [ النحل : ١٥ ] قال الزمخشري : حذف اللام وإن كل واحد منهما جائز بانفراده وأما اجتماعهما فمن المنكرات التي يجب صون القرآن عنها، قال الزمخشري : إنه كلام منقطع عما قبله وهو حكاية المُسْتَرِقِينَ السمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة ويسمعوا وهم مقذوفون بالشهب مدحورون عن المقصود. والملأ الأعلى هم الملائكة الكتبة سكان السموات ومعنى يُقْذَفُونَ يُرْمَوْنَ من كل جانب من آفاق السماء.
قوله :﴿ دُحُوراً ﴾ العامة على ضم الدال وفي نصبه أوجه :
أحدهما : المفعول له أي لأجل الطرد.
الثاني : مصدر ليقذفون أي يُدْحَرُونَ دُحُوراً أو يُقْذَفُون قذفاً فالتجوز إما في الأول وإما في الثاني.
الثالث : أنه مصدر لمقدر أي يُدْحَرُونَ دُحُوراً.
الرابع : أنه في موضع الحال أي ذَوِي دُحُورٍ أو مَدْحُورِينَ وقيل : هو جمع دَاحِر قَاعِد وقُعُودٍ فيكون حالاً بنفس من غير تأويل قال مجاهد : دحوراً مطرودين. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ ويَقْذِقُونَ مبنياً للفاعل وقرأ علِيُّ والسُّلَمِّي وابنُ أَبِي عَبْلَةَ دَحْوراً بفتح الدال وفيها وجهان :
أحدهما : أنه صفة لمصدر مقدر أي قَذْفاً دَحُوراً. وهو كالصَّبُور والشَّكُورِ.
والثاني : أنه مصدر كالقبُول والوَلُوع وقد تقدم أنه محصور في ألفظ، والدُّحُور قال المبرد : أشد الصغار والذل. وقال ابن قتيبة : دَحَرْتُهُ دُحُوراً ودَحْراً أي دَفَعْتُهُ وطَرَدْتُهُ وتقدم في الأعراف عند قوله :﴿ مَذْءُوماً مَّدْحُوراً ﴾ [ الأعراف : ١٨ ].
قوله :﴿ وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ ﴾ قال مقاتل : دائم إلى النفخة الأولى وتقدم في سورة النحل في قوله :﴿ وَلَهُ الدين وَاصِباً ﴾ [ النحل : ٥٢ ].
قوله :﴿ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه مرفوع المحل بدلاً من ضمير « لا يَسَّمَّعُونَ » وهو أحسن لأنه غير موجب.


الصفحة التالية
Icon