فهذا الدليل وإن كان جَلِيًّا قويًّا إلا أن ( ذكر ) أولئك المنكرين إذا عرض على قلوبهم هذه المقدمات لا يفهمونها ولا يقفون عليها وإذا ذكروا لم يتذكروها لشدة بلادتهم وجهلهم فلا جَرَمَ لم ينتفعوا بهذا الدليل.
والطريق الثاني : أن يثبت الرسول - ﷺ - رسالته بالمعجزات ثم يقول : لما ثبت بالمعجزة كوني رسولاً صادقاً من عند الله فأنا أخبركم بأن البعث والقيامة حَقٌّ ثم إنّ أولئك المنكرين لا ينتفعون بهذا الطريق أيضاً لأنهم إذا رأوا معجزة قاهرة وآية باهرة حملوها على أنها سِحْرٌ وسَخِرُوا منها واسْتَهْزَأُوا بها وهذا هو المراد من قوله تعالى :﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وقالوا إِن هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾
قوله :﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ وهذا بيان للسَّبب الذي حملهم على الاستهزاء بجميع المعجزات وهو اعتقادهم أن من مات وتفرقت أجزاؤه في العالم فما فيه من الأرض بجميع المعجزات وهو اعتقادهم أن من مات وتفرقت أجزاؤه في العالم فما فيه من الأرض اختلط ( بتراب ) الأرض وما فيه من المائية والهوائية اختلط ببخارات العالم. فهذا الإنسان كيف يعقل عَوْدُه بعينه حيًّا ثانياً؟! ثم إنه تعالى لما حكى عنهم هذه الشبهة قال : قُلْ ( لَهُمْ ) يا محمد « نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُون » أي نعم تبعثون وأنتم صاغرون، والدخور أشد الصغار وإنما اكتفى تعالى بهذا القدر من الجواب لأنه ذكر في الآية المتقدمة البرهان القطعي على أنه ( أمر ) ممكن وإذا ثبت الجواب القطعي فلا سبيل إلى القطع بالوقوع إلا بأخبار المخبر الصادق فلما قامت المعجزات على صدق محمد - عليه ( الصلاة و ) السلام - كان واجب الصدق فكان مجرد قوله :« نَعَمْ » دليلاً قاطعاً على الوقوع.
قوله :﴿ أَوَ آبَآؤُنَا ﴾ قرأ ابنُ عَامر وقالون : بسكون الواو على أنها « أَوْ » العاطفة المقتضية للشك والباقون بفتحها على أنها همزة استفهام دخلت على واو العطف، وهذا الخلاف جار أيضاً في « الواقعة » وتقدم مثل هذا في الأعراق في قوله :﴿ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى ﴾ [ الأعراف : ٩٨ ] فمن فتح الواو أجاز في :« آبَاؤُنَا » وجهين :
أحدهما : أن يكون معطوفاً على محل إن واسمها.
والثاني : أن يكون معطوفاً على الضمير المستتر في :« لَمَبْعُوثُونَ » واستغني بالفصل بهمزة الاستفهام، ومن سكنها تعين فيما الأول دون الثاني على قول الجمهور لعدم الفاصل، وقد أَوْضَحَ هذا الزمخشريُّ حيث قال :« أو آباؤنا » معطوف على محل إنَّ واسمها أو على الضمير في :« لَمَبْعُوثُونَ » والذي جوز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام قال أبو حيان : أما قوله معطوف على محل « إنّ » واسمها فمذهب سيبويه خلافه فإن قولك :« إنَّ زَيْداً قَائِمٌ وعمرو » وعمرو فيه مرفوع بالابتداء وخبره محذوف، وأما قوله : أو على الضمير في لمبعوثون ( الخ...


الصفحة التالية
Icon