والصحيح أنه لا يجوز لأنَّ السماع ورد في الجوامد دون الصفات. و « عَلَى سُرُور مُتَقَابيلن » حال، ويجوز أن يتعلق « عَلَى سُرُر » بمتقابلين و « يُطَافُ » صفة « لمكرون » أو حال من الضمير في :« متقابلين » أو من الضمير في أحد الجَارِّيْن إذا جعلناه حالاً.
ومعنى متقابلين لا يرى بعضُهم قَقَا بعض، ولما ذكر المأكل والمسكن ذكره بعده صفة المشرب فقال :﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴾ والكأس من الزجاج ما دام فيها شراب وإلا فهو قَدَح. وقد يطلق الكأس على الخمر نفسها وهو مجاز سائغٌ وأنشد :

٤١٩٣- وَكَأس شَرِبْتُ عَلَى لذَّةٍ وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا
و « مِنْ مَعين » صفة « لكأسٍ » والمعين معناه الخَمر الجارية في الأنهار، أي ظاهرة تراها العيون وتقدم الكلام في مَعِين وعن الأخفش : كل كأس في القرآن فهي الخَمْر وقوله :﴿ مِنْ مَعِين ﴾ أي من شراب مَعِينٍ أو من نَهْرٍ مَعِينٍ. المَعِينُ مأخوذ من عين الماء أي يخرج من العيون كما يخرج الماء وسمي ( م ) عِيناً لظهوره، يقال : عَانَ الماءُ إذا ظهر جارياً، ( قاله ثعلب ) فهو مَفْعُول من العَيْن نحو : مَبِيع ومَكِيلٍ، وقيل : سمي معيناً لأنه يجري ظاهر العين كا تقدم. ويجوز أن يكون فعيلاً من المعين وهو الماء الشديد الجري، ومنه أمْعَنَ في الجَرْيِ إذا اشتد فيه.
قوله :﴿ بَيْضَاءَ ﴾ صفة لكأس وقال أبو حيان : صفة « لكاس » أو « للخمر » قال شهاب الدين : لم يذكر الخمر اللهم إلا أن يعني بالمعين الخمر. وهو بعيد جداً ويمكن أن يجاب بأن الكاس إنما، سميت كأساً إذا كان فيها الخمر.
وقرأ عبد الله : صَفْرَاءَ وهي مخالفة للسواد، إلا أنه جاء وصفها بهذا اللون وأنشد لبعض المولدين :
٤١٩٤- صَفْرَاء لاَتَنْزِلُ الأَحْزَانُ سَاحَتَهَا لَوْ مَسَّهَا حَجَرٌ مَسَّتْهُ سَرَّاءُ
و « لذة » صفة أيضاً وصفت بالمصدر مبالغة كأنها نفس اللذة وعينها كما يقال : فُلاَنٌ جُودٌ وكَرَمٌ إذا أرادوا المبالغة.
وقال الزجاج : أو على حذف المضاف أي ذات لذَّة، أو على تأنيث « لَذَّ » بمعنى لذيذ فيكون وصفاً على « فَعْلِ » كصَعْب يقال : لَذَّ الشَّيءُ يَلَذُّ لَذًّ فهو لَذَيدُ وَلَذٌّ وأنشد :
٤١٩٥- بِحَدِيثَها اللَّذِّ الَّذِي لَوْ كَلَّمْتْ أُسْدَ الْفَلاَةِ بِهِ أَتَيْنَ سِرَاعَا
وقال آخر :
٤١٩٦- لَذٌّ كَطَعْم الصَّرخَدِيِّ تَرَكْتُهُ بأَرْضِ العِدَا مِنْ خَشْيَةِ الحَدَثَانِ
واللذيد كل شيء مستطابٌ. وأنشد :
٤١٩٧- يَلذُّ لِطَعْمِهِ وَتَخَالُ فِيهِ إذَا نَبَّهْتَهَا بَعءدَ الْمَنَامِ
و « للشَّارِبينَ » صفة « لِلَذّةِ » وقال اللَّيْث : اللَّذَّة واللَّذِيذَة يجريان مَجْرَى واحداً في النعت يقال : شَرَابٌ لَذَّ ولذيدٌ قال تعالى :﴿ بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾ وقال تعالى :﴿ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾ [ محمد : ١٥ ] وعلى هذا « لَذَّة » بمعنى لذيذ.
قوله :﴿ لاَ فِيهَا غَوْلٌ ﴾ صفة أيضاً وبطل عمل لا وتكررت لتقدم خبرها، وتقدم أول البقرة فائدة تقيم مثل هذا الخبر، والبحثُ مع أبي حيان فيه.


الصفحة التالية
Icon