قوله :﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ ﴾ وهذا على عطف قوله :﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ ﴾ [ الصافات : ٤٥ ] والمعنى يشربو فيتحادثون على الشراب قال :

٤٢٠٦- وَمَا بَقِيَتْ مِنَ اللَّذَّات إلاَّ مُحَادَثَةُ الكِرَامِ علَى المُدَام
وأتى بقوله « فَأَقْبَلَ » ماضياً لتحقق وقوعه، كقوله ﴿ ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة ﴾ [ الأعراف : ٥٠ ] وقوله :﴿ يَتَسَاءَلُونَ ﴾ حال من فاعل « أقْبَلَ » والمعنى : أهل الجنة يسأل بعضهم بعضاً عن حاله في الدنيا.
قوله :﴿ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾ أي في الدنيا ينكر البعث. و ﴿ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ المصدقين ﴾ أي كان يوبِّخني على التصديق بالبعث والقيامة ويقول تعجباً :﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ أي لمحاسبون ومُجَازوْنَ، والمعنى أن ذلك القرين كان يقول هذه الكلمات على سبيل الاستنكار. واعلم أنه تعالى لما ذكر أن أهل الجنة يتساءلون عند اجتماعهم على الشرب ويتحدثون كانت من جملة كَلِمَاتهم أنهم يتذكرون ما كان قد حصل لهم في الدنيا مما يوج الوقوع في عذاب الله ثم إنهم تخلصوا عنه وفازوا بالسعادة الأبدية. قال مجاهد : كان ذلك القرين شيطاناً، وقيل : كان من الإنس، وقال مقاتل : كانا أخَوَيْنِ وقيل : كانا شريكين حصل لهما ثمانية آلاف دينار فَتَقَاسَمَاها واشترى أحدهما داراً بألف دينار فأراها صاحبه وقال كيف ترى حسنها؟ ( فقال : مَا أَحْسَنَهَا )، ثم خرج فتصدق بألف دينار وقال : اللهم إنَّ صاحبي قد اتباع هذه الدار بألف دينار فتصدق صاحبه بألف دينار لأجل أن يزوجه الله تعالى من الحُورِ العِينِ ثم إن صاحبه اشترى بساتين بألفي دينار فتصدق هذا بألفي دينار، ثم إن الله تعالى أعطاه ما طلب في الجنة.
وقيل : كان أحدهما كافراً اسمه نُطْرُوس والآخر مؤمن اسمه يَهُودَا وهما اللذان قص الله خبرهما في سورة الكهف :﴿ واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ ﴾ [ الكهف : ٣٢ ].
قوله :﴿ لَمِنَ المصدقين ﴾ العامة على التخفيف الصاد من التصديق أي لمن المصدِّقِين بلقاء الله. وقرئ بتشديدها من الصَّدَقَة واختلف القراء في هذه الاستفهامات الثلاثة وهي قوله :﴿ أَإِنَّكَ لَمِنَ المصدقين ﴾ ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً ﴾ ﴿ أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ فقرأ نافع الأولى والثانية بالاستفهام بهمزة غير مهموسة والثالثة بكسر الألف من غير استفهام. ( ووافقه الكسائي إلا أنه يستفهم الثالثة بهمزتين وابن عامر الأولى والثالثة بالاستفهام بهمزتين والثانية بكسر الألف من غير استفهام ) والباقون بالاستفهام في جميعها. ثم اختلفوا فابن كثير يستفهم بهمزة واحدة غير مطولة وبعدها ياء ساكنة خفيفة وأبو عمرو مطولة وحمزة وعاصم بهمزتين.

فصل


ثم إن الرجل يقول لجالسائه يدعوهم إلى كَمَال السُّرُور بالاطِّلاع إلى النار لمشاهدة ذلك القرين ومخاطبته ﴿ قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ ﴾ إلى النار فيقول أهل الجنة أنت أعرف به منا « فاطّلع أنت » قال ابن عباس : إنَّ في الجنة كُوًى ينظر أهلها منها إلى النار.


الصفحة التالية
Icon