قوله :﴿ مُطَّلِعُونَ ﴾ قرا العامة بتشديد الطاء مفتوحة وبفتح النون فاطَّلَعَ ماضياً مبنياً للفاعل افتعل من الطلوع. وقرأ ابن عباس في آخرين - ويروى عن أبي عمرو - بسكون الطاء وفتح النون « فأُطْلِعَ » بقطع ( ال ) همزة مضمومة وكسر اللام ماضياً مبنياً للمفعول، ومطلعون على هذه القراءة يحتمل أن يكون قاصراً أي مقبلون من قولك : اطلع علينا فلان أي أقبل، وأن يكون متعدياً ومفعوله محذوف أي أصْحَابَكُمْ وقرأ أبو البَرَهسم وحماد بن أبي عمار : مُطْلِعُونَ خفيفة الطاء مكسورة النون فأُطْلِعَ مبنياً للمفعول، ورد أبو حاتم وغيرُه هذه القراءة من حيث الجمع بين النون وضمير المتكلم إذْ كَانَ قياسها مُطْلِعِيَّ، والأصل مُطْلِعُوي فأبدل فأدغم نحو : جاء مُسْلِمِيَّ القَاطِنُونَ وقوله عليه - ( الصلاة و ) السلام- « أَوَ مُخْرِجيَّ هُمْ » وقد وجهها ابن جني على أنها أجري فيها اسم الفاعل مُجْرى المضارع يعني في إثبات النون مع الضمير وأنشد الطبري على ذلك :

٤٢٠٧- وَمَا أَدْرِي وَظَنِّي كُلَّ ظَنِّي أَمْسْلِمُنِي إلى قَوْمِي شَرَاحِ
وإليه نحا الزمخشري قال : أوشبه اسم الفاعل في ذلك بالمضارع لتآخِ بينهما ( كأنه ) قال يُطْلِعُونَ وهو ضعيف لا يقع إلا في شعر وذكر فيه فيه تَوْجيهاً آخَر فقال : أراد مُطْلعُونِ إياي فوضع المتصل موضع المنفصل كقوله :
٤٢٠٨- هُمُ الْفَاعِلُونَ الْخَيْرَ وَالآمِرُونَهُ ........................
ورده أبو حيان بأن هذا ليس من مواضع المنفصل حتى يدعي أن المتصل وقع موقعه لا يجوز :« هِنْدٌ زَيْدٌ ضَارِبٌ إيَّاهَا » ولا « زَيْدٌ ضَارِبٌ إيَّايَ » قال شهاب الدين : وإنما لم يجز ما ذكر لأنه إذا قدر على المتصل لم يُعْدَل إلى المنفصل ولِقَائلٍ أن يقول : لا أسلم أنه يقدر على المتصل حالة ثبوت النون أو التنوين قبل الضمير بل يصير الموضع موضع الضمير المنفصل فيَصحّ ما قال ( ه ) الزمخشري، وللنحاة في اسم الفاعل المنوّن قبل ياء المتكلم نحو البيت المتقدم وقول الآخر :
٤٢٠٩- فَهَلْ فَتًى مِنْ سَرَاةِ الْقَوْمِ يَحْمِلُنِي وَلَيْسَ حَامِلُنِي إلاَّ ابْنُ حَمَّالِ
وقول الآخر :
٤٢١٠- وَلَيْسَ بمُعْيِيني وَفِي النَّاسِ مُمْنِعٌ صَدِيقٌ وَقَدْ أَعْيَى عَلَيَّ صَدِيقُ
قولان :
أحدهما : أنه تنوين وأنشد شذ ثبوته مع الضمير. وإن قلنا : إن الضمير بعده في محل نصب.
والثاني : أنه ليس تنويناً وإنما هو نون وقاية.
واستدل ابن مالك على هذا بقوله : وليس بمعييني، وبقوله أيضاً :
٤٢١١- وَلَيْسَ الْمُوَافِينِي ( وَفِي النَّاسِ مُمْنِعٌ صَدِيقٌ إذَا أعْيَا عَلَيَّ صديق )
ووجه الدلالة من الأول أنه لو كان تنويناً لكان ينبغي أن يحذف الياء قله لأنه منقوص منون، والمنقوص المنون تحذف ياءؤه رفعاً وجراً لالتقاء الساكنين، ووجهها من الثاني أن الألف واللام لا تجماع التنوين. والذي يرجح لاقول الأول ثبوت لانون في قوله :﴿ وَالآمِرُونَهُ ﴾ وفي قول الآخر :
٤٢١٢- وَلَمْ يَرْتَفِقْ وَالنَّاسُ مُحْتَضِرُونَهُ جَمِيعاً وَأيْدِي المُعْتَفِينَ رَوَاهِقُه
فإن النون قائمة مقام التنوين تثنية وجمعاً على حدها، وقال أبو البقاء « وتقرأ بكسر النون » وهو بعيد جداً؛ لأن النون إنْ كانت للوقاية فلا تحلق الأسماء وإن كانت نون الجمع لا تثبت في الإضافة وهذا الترديد صحيح لولا ما تقدم من الجواب عنه مع تكلف فيه وخروج عن القواعد.


الصفحة التالية
Icon