قال أبو حيان : وجعل المصدر حالاً لا يطرد إلى مع أَمَّا نحو : أَمَّا علماً فَعَالم، والإفك أسوأ الكَذِب.
قوله :﴿ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العالمين ﴾ أي أتظنون بِرَبِّ العالَمِين أنه جوز جعل هذه الجمادات مشاركة في المعبودية، أو تظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى جعلتموها مساوية له في المعبودية فنبههم بذلك على أنه ليس كمثله شيء. أو فما ظنكم برب العالمين إذا لَقِيتُمُوه وقد عبدتم غيره أنه يصنع بكم؟
قوله :﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النجوم فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ قال ابن عباس : كان قومه يتعاطون على النجوم فعاملهم على مقتضى عادتهم، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليزمهم الحجة في أنها غير معبودة وكان لهم من الغد يوم عيد يخرجون إليه فأراد أن يتخلف عنهم ليبقى خالياً في بيت الأصنام فَيْقِدرَ على كسرها.
فإن قيل : النظر في علم النجوم غير جائز فكيف أخبرهم بخلاف حاله؟
فالجواب : من وجوه.
الأول : أن نظره في النجوم أي في أوقات الليل والنهار، وكانت تأتيه الحُمَّى في بعض ساعات الليل والنها فنظر ليعرف هل هي تلك الساعة فقال : إني سقيم فجعله عذارً في تخلفه عن العيد الذي لهم فكان صادقاً فيما قال، لأن السُّقم كان يأتيه في ذلك الوقت.
الثاني : أنهم كانوا أصحاب النجوم يعظمونها ويقضون بها على أمورهم فلذلك نظر إبراهيم في النجوم أي في علم النجوم كما تقول :« نَظَرَ فُلانٌ في الفِقْه » أي في علم الفقه فأراد إبراهيم أن يوهمهم أنه نظر في علمهم وعرف منه ما يعرفونه حتى إذا قال : إني سقيم سَكَنُوا إلى قوله، وأما قوله : إنِّي سقيم فمعناه سأسقم كقوله :﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ ( وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ) ﴾ [ الزمر : ٣٠ ] أي ستموت.
الثالث : أن نظره في النجوم هو قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ( الليل ) رَأَى كَوْكَباً ﴾ [ الأنعام : ٧٦ ] إلى آخر الآيات فكان نظره لتعرف أحوال هذه الكواكب هل هي قديمة أو محدثة؟ وقوله :« إنِّي سِقِيمٌ أي سقيم القلب أي غير عارف بربِّي، وكان ذلك قبل البلوغ.
الرابع : قال ابن زيد : كان له نجم مخصوص طلع على صفة مخصوصة مَرِضَ إبراهيم فلهذا الاستقراء لما رآه في تلك الحالة المخصوصة قال : إني سقيم أي هذا السَّقم واقع لا محالة.
الخامس : أن قوله : إن سقيم أي مريض القلب بسبب إطباق ذلك الجمع العظيم على الكفر والشرك كقوله تعالى لمحمد- ﷺ - :﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ﴾ [ الكهف : ٦ ].
السادس : أنا لا نسلم أن النظر في علم النجوم والاستدلال بها حرام؛ لأن من اعتقد أن الله تعالى خص كل واحد من هذه الكواكب بطبع وخَاصِّية لأجلها يظهر منه أثر مخصوص فهذا العلم على هذا الوجه ليس بباطل وأما الكذب فغير لازم لأن قوله : إني سقيم على سبيل التعريض بمعنى أن الإنسان لا يَنْفَكُّ في أكثر حاله عن حصول حالة مكروهة إما في بدنه وإما في قلبه وكل ذلك سَقَم.