وهو باطل فإن سَلَّمْنَا ذلك فَلِمَ ( ى ) يجوز أن يكون الأمر بالشيء تارةً حسناً لكون المأمور به حسناً في ذلك الوقت لمصلحةٍ من المصالح وإن لم يكن المأمور به حسناً كما إذا أراد السيد اختبار طاعة العبد فيقول له : افعل الفعل الفُلاَنِيّ في يوم الجُمْعَة ويكون ذلك الفعل شاقّاً ويكون مقصود السيد ليس أن يأيت العبد بذلك الفعل بل أن يُوَطن العبد نفسه على الانقياد والطاعة ثم إن السيد علم منه توطين نفسه على الطاعة فقد يزيد ( الألم عنه ) بذلك التكليف فكذا ههنا.
فصل
احتجوا بهذه الآية على أنه تعالى قد يأمر بما لا يريد وقوعه، لأنه تعالى لو أراد وقوعه لوقع الذبح لا محالة.
فصل في الحكمة في ورود هذا التكليف في النوم لا في اليقضة
وذلك من وجوه :
الأول : أن هذا التكليف في نهاية المشقة على الذابح والمذبوح فورد أولاً في النوم حتى يصير ذلك كالمفيد لورُود هذا التكليف الشاقّ، ثم يتأكد ذلك بأحوال اليقضة لكيلا يهجم هذا التكليف الشاق على النفس دفعة واحد بل على التدريج.
الثاني : أن الله تعالى جَعَلَ رؤيا الأنبياء - عليهم ( الصلاة و ) السلام - حقاً، قال تعالى :﴿ لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق ﴾ [ الفتح : ٢٧ ] وقال عن يوسف :﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [ يوسف : ٤ ] وقول إبراهيم :« إنِّي أَرَى فِي المَنَام أَنِّي أَذْبَحُكَ ». والمقصود من هذا تقوية الدلالة على كونهم صادقين فإذا تظاهرت الحالتان على الصدق دل ذلك نهاية كونهم محقين في كل الأحوال.
فصل
والحكمة في مشاورة الابن في هذا الأمر ليظهر له صبره في طاعة الله فيكون فيه قوة عَيْن لإبراهيم حيث يراه قد بلغ في الحكمة إلى هذا الحدِّ العظيم في الصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالية ويحصل للابن الثوابُ العظيمُ في الآخرة والثناء الحَسَن في الدُّنْيَا.
قوله :﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾ في جوابها ثلاثة أوجه :
أظهرهما : أنه محذوف أي ذَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ أو ظَهَرَ صَبْرُهُمَا، أو أجزلنا لهما أجرهما وقدره بعضهم : بعد الرؤيا؛ أي كان ما كان مما يَنْطِقُ به الحال والوصف مما لا يدرك كُنْهُهُ ونقل ابن عطية : أن التقدير فَلَما أسْلَمَا أسْلَمَا وَتَلَّهُ كقوله :
٤٢١٩- فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وَانْتَحَى | بِنَا بَطْنُ خبْتٍ ذِي قِفَافِ عَقَنْقَل |