فصل


روى ابن عباس أن يونس - عليه ( الصلاة و ) السلام - كان يسكن مع قومه فِلَسْطِينَ فَغَزَاهُمْ ملكٌ وسَبَى منهم تسعة أسباط ونصف وبقي سبطان ونصف وكان قد أوحي إلى بني إسرائيل إذا أسركم عدوّكم ( أ ) وأصابتكم مصبة فادعوني أستجب لكم فلما نسوا ذلك وأسروا أوحى الله تعالى بعد حين إلى نبيٍّ من أنبيائهم أنْ اذْهَبْ ألى ملك هؤلاء الأقوام وقل لهم يبعث إلى بني إسرائيل نبياً اختار يُونُسَ - عليه ( الصلاة و ) السلام - لقوته وأمانته، قال يونس : الله أمرك بهذا؟ قال : لا ولكن امرت أن أبْعَثُ قوياً أميناً وأنت كذلك فقال يونس : وفي بني إسرائيل من هو أقوى مني فلم لا تبعه؟ فألح الملك عليه فغضب يونُس منه وخرج حتى أتى بَحْر الروم فوجد سفينةً مشحونةً فحملوه فيها، فلما أشرف على لُدَّة البحر أشرفوا عل الغرق. فقال الملاحون إن فيكم عاصايً وإلاّ لم يحصل في السفية ما نراه وقال خيرٌ من غَرَقِ الكل فخرج من بينهم يونس فقال يا هؤلاء : أنا العاصي وتلفّف في كساء ورمى بنفسه فالتقمه الحُوتُ وأوحى الله إلى الحوت : لا تكسر منه عظماً ولا تقطَعْ له وصلاً ثم إن السمكة خرجت من نيل مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى ( بَحْرٍ ) البطائح، ثم دجلة فصعدت به ورمته في أرض نَصِيبِينَ بالعَرَاء، وهوكالفَرْخ المَنتُوفِ لا شَعْرٌ ولا لَحْمٌ فأنبت الله عليه شجرةً من يَقْطين فكان يتسظل بها ويأكل من ثمرها حتى اشتد. ثم إنَّ الأَرَضَ ( ةَ ) أكلتها فحَزِنَ يونُس لِذَلِكَ حُزْناً فقال يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والرِّيح وأَمُصُّ من ثمرها وقد سقطت فقيل ( له ) : يا يونس تحزن ( على شجرة ) أَنْبَتَت في ساعة واقْتُلِعَتْ في ساعة ولا تحزن على مائة ألفٍ أو يزيدون تركتهم فانطلقُ إليهم.
قوله :﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين ﴾ من الذاكرين الله قبل ذلك وكان كَثير الذِّكْر، قال ابن عباس : من المصلين وقال وهب : من العابدين. وقال الحسن : ما كنت له صلاة في بطن الحوت ولكن قَدَّمَ عَملاً صالحاً. وقال سعيد بن جبير هو قوله في بطن الحوت :« لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كمنت من الظالمين ».
قوله :﴿ فِي بَطْنِهِ ﴾ الظاهر أنه متعلق « بلَبِثَ » وقيل : حال أي مستقر وكان بَطْنه قبراً له إلَى يَوْمِ القيامة، قال الحسن : لم يلبث إلا قليلاً ثم أُخْرِجَ من بطن الحوت. وقال بعضهم : التقمة بكرة ولَفظَهُ عشيا وقال مقاتل بن حَيَّانَ ثلاثة أيام، وعن عطاء : سبعة أيام، وعن الضحاك، عشرون يوماً. وقيل : شهر، وقيل : أربعين يوماً.
قال ابن الخطيب : ولا أدري بأي دليل عينوا هذه المقادير وروى أبو بردة عن النبي - ﷺ - أن قال : سَبَّحَ يُونُسُ في بطن الحوت فسَمِعَت الملائكةُ تسبيحه فقالوا ربنا إنا نسمع صوتاً بأرض غريبة فقال ذاك عبدي يونس عَصَانِي فحَبَسْتُهُ في بطن الحُوتِ في البَحْر، قالوا : العبدُ الصالح الذي كان يصيعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال : نعم فشفعوا له فأمر الحوت فقذفه بالساحل.


الصفحة التالية
Icon