قوله :﴿ فاستفتهم ﴾ قال الزمخشري : معطوف على مثله في أول السورة وإن تباعدت قال أبو حيان : وإذا كان قد عدوا الفَصْلَ بنحو : كُلْ لَحْماً، واضْرِبْ زيداً و خبزاً من أبقح التَّر ( ا ) كيب فكيف بجمل كثيرة وقصص متباينة؟ قال شهاب الدين : ولِقَائل أن يقول : إن الفصل وإن كَثر بين الجمل المتعاطفة مغتفر، وأما الأول أنه تعالى لما ذكر أقاصيص الأنبياء- عليهم ( الصلاة و ) السلام - عاد إلى شرح مذاهب المشركين وبيان قبحها ومن جملة أقوالهم الباطلبة أنهم أثبتوا الأولاد لله تعالى ثم زعموا أنها من جنس الإناث لا من جنس الذكور فقال « فاسْتَفْتِهِمْ » باستفتاء قريش عن وجه الإنكار للبعث أولاً ثم ساق الكلام موصولاً بعضه ببعض إلى أن أمرهم بأن يستفتيهم في أنهم لم أثبتوا لله سبحانه البنات ولهم البنين؟
ونقل الوَاحِدِيُّ عن المفسرين أنهم قالوا : إنَّ قريشاً وأجناس العرب جهينة وبني سلمة وخزاعة وبني مليح، قالوا الملائكة بنات الله وهذا الكلام يشتل على أمرين :
أحدهما : إثبات البنات لله وذلك باطل لأن العرب كانوا يستنكفون من البنت والشيء الذي يستنكف منه المخلوق كيف يمكن إثباته للخالق؟
والثاني : إثبات أن الملائكة إناثٌ، وهذا أيضاً باطل لأن طريق العلم إما الحِسُّ وإما الخبر وإما النظر أما الحِسُّ فمفقود لأنهم لم يشاهدوا كيف خلق الله الملائكة وهو المراد من قوله :﴿ أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾ وأما الخبر فمفقود أيضاً لأن الخبر إنما يفيد العلم إذا علم كونه صدقاً قطعاً وهؤلاء الذين يخبرون عن هذا الحكم كذابون أفاكون لم يدر على صدقهم دليل وهذا هو المراد من قولهم :﴿ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ وأما النظر فمفقود من وجهين :
الأول : أن دليل العقل يقتضي فساد هذا المذهب لأنه تعالى أكمل الموجودات والأكمل لا يليق به اصطفاء البنات على البنين بمعنى إسناد الأفضل إلى الأفضل أقرب إلى العقل من إسناد الأَخَسّ إلى الأفضل فإن كان حكم العقل معتبراً في هذا الباب كان قولكم باطلاً.
الثاني : أن يتركوا بترك الاستدلال على فساد مذهبهم بل نطالبهم بإثبات الدليل على صحة مذهبهم فإذا لم يجدوا دليلاً ظهر بطلان مذهبهم، وهذا هوالمراد بقوله :﴿ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ فقوله :﴿ فاستفتهم ﴾ فاسأل يا محمد أهل مكة وهو سؤال توبيخ ﴿ أَلِرَبِّكَ البنات وَلَهُمُ البنون أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾ وهذه جملة حالية من الملائكة، والرابط الواو، وهي هنا واجبة عدم رابط غيره قاله شهاب الدين؛ ويحتمل أن يكون جملة حالية من السؤالين.
قوله :﴿ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ العامة على « ولد » فعلاً ماضياً مسنداً للجلالة، أي أتى بالولد؛ تعالى عما يقولون علواً كبيراً، وقرئ : وَلَدُ الله بإضافة الولد إليه أي يقولون الملائكة ولده، فحذف المبتدأ للعلم به، وأبقى خبره، والوَلَدُ فَعَلٌ بمعنى مفَعُولٌ كالقَبَض فلذلك يقع خبراً عن المفرد والمثنى والمجموع تذكيراً وتأنيثاً، ( تقول : هَذِهِ ) وَلَدِي وهُمْ وَلَدِي.