قوله :﴿ أَصْطَفَى ﴾ العامة على فتح الهمزة على أنها همزة استفهام بمعنى الإنكار والتقريع، وقد حذف معها همزة الوصل استغناءً عنها. وقرأ نافعٌ في رواية وأبو جَعْفَر وشيبةُ والأعمشُ بهمزة وصل تثبت ابتداء وتسقط درجاً وفيه وجهان :
أحدهما : أنه على نية الاستفهام، وإنما حذف للعمل به ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :
٤٢٢٦- قَالُوا : تُجِبُّهَا قُلْتُ : بَهْراً... عَدَدَ الرَّمْلِ وَالْحَصَى وَالتُّرَابِ
أي أتحبها.
والثاني : أن هذه الجملة بدل من الجملة المحكية بالقول وهي :« وَلَد اللَّهِ » أي تقولون كذا وتقولون اصْطَفَى هذا الجنس على هذا الجِنْس.
( قال الزمخشري : وقد قرأ بها حمزة والأعمشُ. وهذا القراءة وإن كان هذا محلها فهي ضعيفة والذي أضعفها ) أن هذه الجملة قد اكتنَفَها الإنْكَارُ من جانبيها وذلك قوله :﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.... مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ فمن جعلها للإثبات فقد أوقعها دخيلة بين نسبتين؛ لن لها مناسبةً طاهرةً مع قولهم :« ولد الله » وأما قولهم :﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ فهي جملة اعتراض بين مقالة الكفرة جاءت للتشديد والتأكيد في كون مقالتهم تلك هي من إفكهم، ونقل أبو البقاء أنه قرئ « آصْطَفَى » بالمد قال : وهو بعيد جداً.
قوله :﴿ مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ جملتان استفهاميتان ليس إحداهما تعلق بالأخرى من حيث الإعراب استفهم أولاً عما استقر لهم وثبت استفهام إنكار، وثانياً استفهام تعجب من حكمهم بهذا الحكم الجائر وهو أنهم نسبوا أحسن الجنسين إليهم والمعنى : ما لكم كيف تحكمون لله بالبنات ولكم بالبنين؟ « أفَلاَ تَذَكَّرُونَ » تتعظون « أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبينٌ » برهان بين على أن الله ولد ﴿ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ ﴾ الذي لكم فيه حجة ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في قولكم.
قوله :﴿ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً ﴾ قال مجاهد وقتادة : أراد بالجنة الملائكة سموا جنة لاجتِنَنِهم عن الأبْصار.
وقال ابن عباس : جنس من الملائكة يقال لهم الجن منهم إبليس، وقيل : إنهم خُزَّان الجنة، قال ابن الخطيب : وهذا القول عندي مُشْكِلٌ؛ لأنه تعالى أبطل قولهم : الملائكة بناتُ الله، ثم عطف عليه قوله :﴿ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً ﴾ ولاعطف يقتضي كون المعطوف مقابلاً بمعطوف عليه فوجب أن يكون المراد من الآية غير ما تقدم.
وقال مجاهد : قالت كفار قريش الملائكة بنات الله فقال لهم أبو بكر الصديق : فمن أمهاتهم؟ قالوا : سَرَوَاتُ الجِنَّ وهذا أيضاً بعد لن المصاهرة لا تسمّى نسباً.
قال ابن الخطيب : وقد روينا في تفسير قوله تعالى :﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الجن ﴾