٤٢٣٠- « مِنَّا ظَعَنَ وَمِنَّا أَقَامَ »... يريدون : منَّا فريقٌ ظعَنَ، ومنا فريق أقام، وقد تقدم نحوٌ من هذا في النِّسَاء عند قوله :﴿ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ ﴾ [ النساء : ١٥٩ ].
وهذا الكلام وما بعده ظاهره أنه من كلام الملائكة، وقيل : من كلام الرَّسُولِ ﷺ.
فصل
قال المفسرون : يقول جبريل للنبي - ﷺ - :« وَمَا مِنَّا مَعْشَرَ الْمَلاَئِكَةِ إلاَّ له مقام معلوم » أي ما منا ملك إلا له مقام معلوم في السموات يعبد الله فيه قال ابن عباس :« ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يُسَبِّح » وقال - عليه ( الصلاة و ) السلام- :« أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا فيهَا مَوْضِعُ أرْبَعَةِ أَصَابعَ إلاَّ وَفِيهِ مَلَكٌ وَاضِعٌ جَبَهَتَهُ سَاجِدٌ لله » وقال السُّدِّيُّ : إلاَّ له مقام معلوم في القُرْبَة والمشاهدة.
قوله :﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون ﴾ مفعول « الصافاون والمسبحون » يجوز أن يكون مراداً أي الصافون أقْدَامنَا وأجْنِحَتَنَا، والمسبِّحون اللَّهَ تعالى، وأن لا يُرادَ البتة أي نحن من أهل هذا الفعل.
فعلى الأول يفيد الحصر ومعناه أنهم هم الصافون في مواقف العُبُودِية لا غيرهم وذلك يدل على أنَّ طاعات البشر بالنسبة إلى طاعات الملائكة كالعَدَم حتى يَصِحَّ هذا الحصر.
قال ابن الخطيب : وكيف يجوز مع هذا الحصر أن يقال : البشر أقربُ درجةً من الملك فضلاً عن أن يقال : هم أفضل منه أم لا؟!.
قال قتادة : قوله :﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون ﴾ هم الملائكة صَفُّوا أقْدَامَهُمْ، وقال الكلبي : صفوف الملائكة في السماء كصفوف الناس في الأرض. ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون ﴾ أي المصلون المنزهون الله عن السوء بخير جبريل للنبي - ﷺ - أنهم يعبدون الله بالصلاة والتسبيح وأنهم ليسوا بمعبودين كا زعمت الكفار، ثم أعاد الكلام إلى الإخبار عن المشركين فقال :﴿ وَإِن كَانُواْ ﴾ أي وقد كانوا : يعني أهل ملكة « ليَقولُونَ » لام التأكيد ﴿ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الأولين ﴾ أي كتاباً من كتب الأولين ﴿ لَكُنَّا عِبَادَ الله المخلصين ﴾ أي لأخلصنا العبادة لله ولما كذبنا، ثم جاءهم الذكر الذي هو سيِّد الأذكار وهو القرآن، ﴿ فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ عاقبة هذا الكفر وهذا تهديد عظيم.