قوله :﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين ﴾ وهي قوله :﴿ كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي ﴾ [ المجادلة : ٢١ ] لما هدد الكفار بقوله :﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ الحجر : ٣ ] أردفه بما يقوي قلب الرسول فقال ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون ﴾ والنُّصْرَةُ والغلبة قد تكون بالحُجَّة وقد تكون بالدولة والاستيلاء وقد تكون بالدوام والثبات فالمؤمن وإن صار مغلوباً في بعض الأوقات بسبب ضَعْفِ أحوال الدنيا فهو الغالب ولا يلزم على هذه الآية أن يقال قد قتل الأنبياء وهزم كثيرةٌ من المؤمنين.
قوله :﴿ إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون ﴾ تفسير للكلمة فيجوز أن لايكون هلا محلٌّ من الإعراب، ويجوز أن تكون خبر مبتداً مضمر ومنصوبة بإضمار فعل أي هي أنهم لهم المنصورون أو أعني بالكلمة هذا اللفظ ويكون ذلك على سبيل الحكاية لأنك لو صحرت بالفعل قبلها حاكياً للجملة بعده كان صحيحاً كأنك قلت : عنيت هذا اللفظ كما تقول : كَتَبْتُ زَيدٌ قَائِمٌ، وإنَّ زَيْداً لَقَائِمٌ وقرأ الضحاك :« كَلِمَاتُنَا » جمعاً.
قوله :﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ أي أعرضْ عنهم « حَتًّى حِين » قال ابن عباس : يعني الموت، وقال مجاهد : يوم بدر، وقال السدي : حتى يأمرك الله بالقتال، وقيل : إلى أن يأتيهم عذابُ الله، وقيل : إلَى فتحِ مكة.
قال مقاتل بن حيان : نسختها آية القتال « وَأَبْصِرْهُمْ » إذا نزل بهم العذاب عن القتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة « فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ » ذلك من النصرة والتأييد في الدناي والثواب العظيم في الآخرة فقالوا : متى هذا العذاب؟ فقال تعالى :﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾ أي إن ذلك الاستجعال جهل لأن لكُلّ شيء من أفعال الله تعالى وقتاً معيَّناً لا يتقدم ولا يتأخر.
قوله :﴿ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ ﴾ العامة على نَزَل مبنياً للفاعل، وعبدُ اللَّهِ مبنياً للمفعول، والجارّ قائم مَقَام فاعله.
والساحة الفناء الخالِي من الأبنية وجمعها سُوحق فألفها عن واوٍ فيُصغَّر على سُوَيْحَةٍ قال الشاعر :
٤٢٣١- فَكَانَ سِيَّانِ أَنْ لاَ يَسْرَحُوا نَعَماً | أَوْ يَسْرَحُوهُ بِهَا وَاغْبَرَّتِ السُّوحُ |
قوله تعالى :﴿ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ ﴾ يعني العذاب بساحَتِهِمْ، قال مقاتل : بحَضْرَتِهِمْ وقيل : بعِتابهم.
قال الفراء : العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم ﴿ فَسَآءَ صَبَاحُ المنذرين ﴾ فبئس صَبَاح الكَافرين الذين أُنْذِرُوا بالعذاب. لما خرج - عليه ( الصَّلاَةُ و ) السلام - إلى خَبيْبَرَ أتاها ليلاً، وكان إذا جَاء قوماً بلَيْلٍ لم يَغْزُ حتى يُصْبحَ فلما أصبح خرجت يهودُ ( خَيْبَرَ ) بمَسَاحِيها ومَكَاتِلِهَا، فلما رأوه قالوا : مُحَمَّد واللَّهِ مُحَمَّد والخميس فقال رسول الله ﷺ :