السادس : أنه محذوف واختلفوا في تقديره فقال الحَوْفيُّ تقديره :« لَقَدْ جَاءَكُم الحَقُّ » ونحوه وقدره ابن عطية : ما الأمر كما تزعمون. ودل على هذا المحذوف قوله :﴿ بَلِ الذين كَفَرُواْ ﴾ والزمخشري : أنه لمعجز، وأبو حيان : إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ. قال : لأنه نظير :﴿ يس والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين ﴾ [ يس : ١-٣ ].
وللزمخشري هنا عبارة بشعة جداً قال : فإن قلت : قوله :« ص. والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق » كلام ظاهر متناف غير منتظم فما وجه انتظامه؟.
قلت : فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون قد ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحديث والتنبيه على الإعجاز كما مر في أول الكتاب ثم أتبعه القسم محذوف الجواب بدلالة التَّحدِّي عليه كأنه قال : والقرآن ذِي الذِّكْر إنه لكلام معجز.
والثاني : أن يكون ( صاد ) خبر مبتدأ محذوف على أنها اسم للسورة كأنه قال : هذه « ص » يعني هذه السورة التي أعجزت العرب وَالقُرآنِ ذي الذكر كما تقول :« هذا حَاتمٌ واللَّهِ » تريد هو المشهور بالسخاء واللَّهِ وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال : أقسمتُ بصاد والقرآنِ ذي الذكر إنه لمعجز. ثم قال : بلِ الذَّينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف ( بالحق ) وشِقَانِ لله ورسوله ( و ) جعلتها مقسماً بها وعطفت عليها « والقرآن ذي الذكر » جاز لك أن تريد بالقرآن التنزيل كله، وأن تريد السورة بعينها ومعناه : أُقْسِمُ بالسُّورةِ الشًّرِيفة والقرآنِ ذِي الذِّكر كما تقول : مَرَرْتُ بالرَّجُلِ الكَرِيم وبالنِّسْبَة المُبَارَكَةِ، ولا تريد بالنّسبة غيرَ الرجل. وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره بل الذين كفروا في عِزَّةٍ وشقاق والقرآنِ ذي الذكر.
( والمراد بكون القرآن ذي الذكر ) أي ذي الشرف، قال تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ] وقال :﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ [ الأنبياء : ١٠ ] كما تقول :« لِفُلاَنٍ ذٍكْرٌ فِي النَّاسِ » ويحتمل أن يكون معناه ذو النبأ أي فيه أخبرا الأولين والآخرين وبيان العلوم الأصلية والفرعية.
قوله :﴿ بَلِ الذين كَفَرُواْ ﴾ إضراب انتقال من قصةٍ إلى أخرى. وقرأ الكسائي - في رواية سَوْرَةَ - وحماد بن الزِّبرقَان وأبو جعفر وَالجَحْدَريّ : في غَرَّة بالغين المعجمة والراء وقد نقل أن حَمَّاداً الراوية قرأها كذلك تصحيفاً فلما رُدّت عليه قال : ما ظننت أن الكافرين في عِزّةٍ. وهو وَهَمٌ منه، لأن العزة المشار إليها حمية الجاهلية. والتنكير في ( عزة وشقاق ) دلالة على شدّتهما وتفاقمهما.
فصل
قالت المعتزلة دل قوله :( ذِي الذّكْر ) على أنه مُحْدَث، ويؤيده قوله :﴿ وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ ﴾ [ الأنبياء : ٥٠ ] ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴾ [ يس : ٦٩ ] والجواب : أنا نصرف دليلكم إلى ما نقرأه نحن به.
فصل
قال القُتَيْبيُّ : بل لتدارك كلام ونفي آخر، ومجاز الآية أن الله أقسم بصاد والقرآن ذي الذكر أن الذين كفروا من أهل مكة في عزة وحَمِيَّة جاهلية وتَكَبُّر عن الحق وشِقَاق خلاف وعداوة لمحمد - ﷺ - وقال مجاهد : في عزة وتغابن.