قوله :﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ ( كم ) مفعول « أَهْلَكْنَا » و « مِنْ قَرْنٍ » تَمْييزٌ، و « مِنْ قَبْلِهِمْ » لابتداء الغاية والمعنى كم أهلكنا من قبلهم من قرن يعني من الأمم الخالية فنادوا استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النِّقْمَة. وقيل : نادوا بالإيمان والتوبة عند معاينة العذاب.
قوله :﴿ وَّلاَتَ حِينَ ﴾ هذه الجملة في محل نصب على الحل من فاعل « نَادَوْا » أي استغاثوا والحال أنه مَهْرَبَ ولا مَنْجِى.
وقرأ العامة « لاَتَ » بفتح التاء وحينَ منصوبة وفيها أوجه :
أحدها وهو مذهب سيبويه : أن لا نافية بمعنى ليس والتاء مزيدة فيها كزيادتها في رُبَّ وثُمّ، كقولهم : رُبَّت وثُمَّت وأصلها « ها » وُصِلَتْ بلا فقالوا « لاَه » كما قالوا ثُمّهْ « ولا يعمل إلا في الزمان خاصة نحو : لات حين، ولات أوان كقوله :

٤٢٣٣- طَلَبُوا صُلْحَنَا ولاَتَ أَوَانٍ فَأجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاء
وقوله الآخر :
٤٢٣٤- نَدِمَ البُغَاةُ لاَتَ سَاعَةَ مَنْدَم والبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وَخِيمُ
والأكثر حينئذ حذف مرفوعها تقديره : وَلاَتَ الحِينُ حِينَ مَنَاصٍ. وقد يحذف المنصوب ويبقى المرفوع وقد قرأ هنا بذلك بعضهم لقوله :
٤٢٣٥- مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لاَ بَرَاحُ
أي لا براح لي. ولا تعمل في غير الأحيان على المشهور، وقد تمسك بإعمالها في غير الأحيان في قوله :
٤٢٣٦- حَنًّتْ نَوَارُ وَلاَتَ هَنَّا حَنَّت وَبدَا الَّذِي كَانَتْ نَوَارُ أَجَنَّتِ
فإن »
هنّا « من ظروف الأمكنة، وفيه شذوذ من ثلاثة أوجه :
أحدهما : عملها في اسم الإشارة وهو معرفة ولا تعمل إلا في النكرات.
والثاني : كونه لا ينصرف.
الثالث : كونه غير زمان. وقد رد بعضهم هذا بأن »
هنا « قد خرجت عن المكانية واستعملت في الزمان كقوله تعالى :﴿ هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون ﴾ [ الأحزاب : ١١ ] وقوله :
٤٢٣٧- ( وَإِذَا الأُمُورُ تَعَاظَمتْ وَتَشَاكَلَتْ ) فَهُنضاك يَعْتَرِفُون أَيْنَ المَفْزَعُ
كما تقدم في سورة الأحزاب.
إلا أن الشذوذين الأخيرين باقيان. وتأول بعضهم البيت أيضاً بتأويل آخر وهو أن »
لات « هنا مُجْمَلَةٌ لا عمل لها، و » هنا « ظرف خبر مقدم و » حنت « مبتدأ بتأويل حذف » أن « المصدرية تقديره » أَنْ حَنَّت « نحو :» تَسْمَعُ بالمُعَيْدِيِّي خَيْرٌ مِنْ أنْ ترَاهُ « وفي هذا تكلف وبعد ألى أن فيه الاستراحة من الشذوذات المذكورة أو الشذوذين وفي الوقف عليها مذهبان : أشهرهما عند [ علماء ] العربية وجماهير القراء السبعة بالتاء المجبورة اتباعاً لمرسوم الخط، والكسائي وحْدَهُ من السبعة بالهاء.
والأول : مذهب الخليل وسِيبوَيْهِ والزَّجَّاج والفراءِ وابْنِ كَيْسَانَ.
والثاني : مذهب المبرد.
وَأَغْرَبَ أبو عبيدة فقال : الوقف على »
لا « والتاء متصلة بحين فيقولون : قمت تحين قمت وتحين كان كذا فعل كذا، وقال : رأيتها في الإمام كذا » وَلاَ تَحِينَ « متصلةً، وأنشد على هذا أيضاً قول أبي وَجْزَة السَّعديِّ :


الصفحة التالية
Icon