وقرأ ايضاً ولات حينُ بالرفع. مناص بالفتح وهذه قراءة مشكلة جداً لا تبعد عن الغلط من راويها عن عيسى فإنه بمكان من العِلم المانع له من مثل هذه القراءة. وقد خرجها أبو الضل الرازي في لوامحه على التقديم والتأخير وأن « حين » أُجْرِيَ مُجْرَى « قَبْلُ وبَعْدُ » في بنائه على الضم عند قطعه عن الإضافة بجامع ما بينه وبينها من الظرفية الزمانية و « مناص » اسمها مبين على الفتح فصل بينه وبينها بحين المقطوع عن الإضافة والأصل : ولات مَنَاصَ حينُ كذا، ثم حذفت المضاف إليه حين وبني على الضم وقدم فاصلاً بين لات واسمها قال : وقد يجوز أن يكون لذلك معنى لا أعرفه وقد ريو في تار لات الفَتْحُ والكسرُ والضمُّ.
( قوله ) :﴿ فَنَادَواْ ﴾ لا مفعول له لأن الأصل فَعَلُوا النداء من غير قصد منادًى وقال الكلبي : كانوا إذا قاتلوا فاضطربوا نادى بعضهم لبعض مناص أي عليكم بالفراء فلما أتاهم العذاب قالوا مناص فقال الله لهم : وَلاَت حِينَ مناص قال القشيري فعلى هذا يكون التقدير نفادوا فحذف لدلالة ما بعده ( عليه ).
قال شهاب الدين : فيكون قد حذف المنادى وهو بعضاً وما ينادون به وهو « مناص » أي نادوا بعضهم بهذا اللفظ وقال الجُرْجَانيّ : أي فنادوا حين لا مناص أي ساعة لا مَنْجَى ولا فَوْتَ، فلما قدم « لا » وأخر « حين » اقتضى ذلك الواو كما يقتضي الحال إذا جعل ابتداءً وخبراً مثل ما تقول : جَاءَ زَيْدٌ راكباً، ثم نقول : جاء وهُوَ رَاكبٌ، « فحين » طفرف لقوله :﴿ فَنَادَواْ ﴾ ( وقال أبو حيان : وكون أصْل هذه الجملة فنادوا حين لا مناص وأن حين ظرف لقوله ) : فنادوا دعوى أعجمية في نظم القرآن والمعنى على نظمه في غاية الوضوح قال شهاب الدين : الجُرْجَانيّ لا يعني أن « حين » ظرف « لِنَادَوْا » في التركيب الذي عليه القرآن الآن إنما يعني بذلك في أصل المعنى والتركيب كما شبه ذلك بقوله :« جَاءَ زَيْدٌ راكباً، ثم جَاءَ زَيْدٌ وَهُو راكبٌ » « فراكباً » في التركيب الأول حال وفي الثاني خبراً مبتدأ حين كان ( في الأصل ) ظرف للنداء، ثم صار خبر « لات » أو اسمها على حَسبِ الخلاف المتقدم.
و « المَنَاص » مَفْعَلٌ من نَاصَ يَنُوصُ أي هرَبَ فهو مصدر يقال نَاصَهُ يَنُوصُهُ إذا فَاَهُ فهو متعدٍّ، ونَاصَ يَنُوصُ أي تأخر، ومنه نَاصَ عن قِرْنِهِ أي تأخر عنه جبناً. قاله الفراء وأنشد قَوْلَ امْرئِ القيسل :[ من الطويل ]
٤٢٥٠- أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى إِنْ نأَتْكَ تَنُوصُ | فَتَقْصُرَ عَنْهَا حِقْبَةً وتَنُوصُ |
قال أبو جعفر النحاس : نَاصَ يَنُوصُ إذا تقدم فيكون من الأضْدَاد، واسْتَنَاص طلب المَنَاصَ، قال حارثة بن بدر :
٤٢٥١- غَمْرُ الجِرَاءِ إِذَا قَصَرْتُ عِنَانَهُ | بِيدي اسْتَنَاصَ وَرَامَ جَرْيَ المِسْحَلِ |
ويقال : نَاصَ إلى كَذَا يَنُوصُ نَوْصاً إذَا التَجأ إليه. قال بعضهم المناص المَنْجَى والغَوْثُ، يقال نَاصَهُ ينُوصُهُ إذا أغاثه قال ابن عباس : كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطربوا في الحب قال بعضهم لبعض مناص أي اهربوا وخُذُوا حذْرَكم، فلما نزل بهم العذاب ببدر، وقالوا مناص فانزل الله تعالى : ولات حين مناص أي ليس حين هذا القول.