وقد تقدم هذا في أوائل البقرة و « هنالك » يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدهما : أن يكون خبر الجند و « ما » مزيدة، ومهزوم نعت لجند. ذكره مكي.
الثاني : أن يكون صفة لجند.
الثالث : أن يكون منصوباً « بمهزوم » ومهزوم يجوز فيه أيضاً وجهان :
أحدهما : أنه خبر ثانٍ لذلك المبتدأ المقدر.
والثاني : أنه صفة لجند إلا أن الأحسن على هذا الوجه أن لا يجعل « هنالك » صفة بل متعلقاً به لئلا يلزم تقدم الوصف غير الصريح على الصرح.
و « هنالك » مشار به إلى موضع التقاول والمحاورة بالكلمات السابقة وهو مكة أي سيهزمون بمكة، وهو إخبار بالغيب. وقيل : مشار به نُصْرَة الأصنام، وقيل : إلى حَفْر الخَنْدق يعني إلى مكان ذلك.
الثاني من الوجهين الأولين : أن يكون « جند » مبتدأ و « ما » مزيدة، و « هنالك » نعت ومهزوم خبره، قاله أبو البقاء قال أبو حيان : وفيه بعد لتفلته عن الكلام الذي قبله قال شهاب الدين وهذا الوجه المنقول عن أبي البقاء يبقه إليه مكي.
قوله :﴿ مِّن الأحزاب ﴾ يجوز أن يكون لجند وأن يكون صفة « لمهزوم » وجوز أبو البقاء أن يكون متعلقاً به وفيه بعد لأن المراد بالأحزاب هم المهزومون.
فصل
المعنى أن الذين يقولون هذا القول جند هنالِك و « ما » صلة مهزومة مغلوب من الأحزاب أي من جملة الأجناد، عين قريشاً، قال قتادة : أخبر الله تعالى نبيه - ﷺ - وهو بمكة أنه سيزم جندَ المشركين فقال :﴿ سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر ﴾ [ القمر : ٤٥ ] فجاء تأويلها يوم بدر، وهنالك إشارة إلى ( يوم ) بدر ومصارعهم، وقيل : يوم الخندق. وقال ابن الخطيب : والأصح عندي حمله على يوم فتح مكة لأن المعنى أنهم جند سيصيرون منهزمين في الموضع الذي ذكروا فيه الكلمات وذلك الموضع هو مكة فوجب أن يكون المراد أنهم سيصيرون منهزمين في مكة وما ذاك إلا يوم الفتح.
وقوله :« من الأحزاب » أي من جملة الأحزاب أي هم من القرون الماضية الذين تَحَزَّبوا وتجمعوا على الأنبياء بالتكذيب فقهروا وأهلكوا.