ثم قال لنبيه - ﷺ - معزياً له :﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد ﴾ قال ابن عباس ومحمد بن كعب : ذو البِناء المحكم، وقيل : أراد ذو الملك الشديد الثابت، وقال القتيبيّ : تقول العرب : هم في عِزٍّ ثابت الأوتاد بريدون أنه دائم شديد، وقال الضحاك : ذو القوة البطش، وقال عطية : ذو الجنود والجموع الكثيرة، وسميت الأجناد أوتاداً لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتدونها في أسفارهم وهي رواية عطية العوفي عن ابن عباس يعني أنهم كانوا يقوون أمره ويشدون ملكه كما يثبت إلا بالأوتاد والأطْنَاب كما قال الأفوه الأودي :

٤٢٥٣- والْبَيْتُ لاَ يُبْتَنَى إلاَّ عَلَى عُمُدٍ وَلاَ عِمَادَ إذَا لَمْ تُرْسَ أَوْتَادُ
استغير لثبات العز والملك واستقرار الأمر كقول الأسود بن يعفر :
٤٢٥٤- وَلَقَدْ غَنُوا فِيهَا بِأَنْعَمِ عِيشةٍ فِي ظِلّ مُلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ
والأوتاد جمع وتد فيه لغات : وَتِدٌ بفتح الواو وكسر التاء وهي الفصحى، ووتَدَ بفتحتين، وَوَدٌّ بإدغام التاء في الدال قال :
٤٢٥٥- تُخْرِجُ الْوَدَّ إذَا ما أَشْجذَتْ وَتُوَارِيه إذَا تَشْتَكِرْ
ووت بإبدال ( الدال ) تاء، ثم إدغام التاء فيها، وهذا شاذ؛ لأن الأصل إبدال الأول للثاني لا العكس، وقد تقدم نحوٌ من هذا في آل عمران عند قوله :﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة ﴾ [ آل عمران : ١٨٥ ].
ويقال : وَتِدٌ ( وَاتِد ) أي قويّ ثابتٌ وهو مثلُ مجازِ قولهم : شُغل شاغِل.
أنشد الأصمعي :
٤٢٥٦- لاَقَتْ ( عَلَى ) الْمَاءِ جُذَيْلاَ واتدا وَلَمْ يَكُنْ يُخْلِفُهَا الْمَوَاعِدَا
وقيل : الأوتاد هنا حقيقة لا استعارة، ( و ) قال الكبي ومقاتل : الأوتاد جمع الوَتدِ وكان له أوتاد يعذب الناس عليها فكان إذا غضب على أَحَد مده مستلقياً بين أربعة أوتاد تشدّ كل يد ولك رجل منه إلى سارية ويتركه كذلك في الهواء بين السماء والأرض حتى يموت. وقال مجاهد ومقاتل بن حيَّان كان يمد الرجل مستلقياً على الأرض ثم يسد يديه ورجليه ورأسه على الأرض بالأوتاد. وقال السدي : كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقاربَ والحيَّاتِ. وقال قتادة وعطاء : كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب عليها بين يديه، ثم قال :﴿ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ ﴾ تقدم الخلاف في الأيكة في سورة الشعراء.
قوله :﴿ أولئك الأحزاب ﴾ يجوز أن تكون مستأنفةً لا محل لها ( من الإعراب ) وأن تكون خبراً، والمبتدأ قال أبو البقاء ( من ) قوله :« وعاد » وأن يكون من « ثمود » وأن يكون من قوله « وقوم لوط ».
قال شهاب الدين : الظاهر عطف ( عاد ) وما بعدها على « قوم نوح » واستئناف الجملة بعده، وكان يسوغ على ما قاله أبو البقاء أن يكون المبتدأ وحده ﴿ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ ﴾.

فصل


المعنى أن هؤلاء الذين ذكرناهم من الأمم هم الذين تحزبوا على أنبيائهم فأهلكناهم وكذلك قومك هم من جنس الأحزاب المتقدمين.


الصفحة التالية
Icon