قوله :« ذَلِكَ عَالِمُ » العامة على رفع « عالم » و « العزيزُ » و « الرَّحِيمُ »، على أن يكون « ذلك » مبتدأ، و « عالم » خبره و « العَزِيزُ والرَّحِيمُ » خبران أو نعتان أو « العزيز الرحيم » مبتدأ وصفة. و « الَّذِي أَحْسَنَ » خبره، أو « العَزِيزُ الرَّحيم » خبر مبتدأ مضمر. وقرأ زيدُ ( بن علي ) بجر الثلاثة وتخريجها على إشكالها : أن يكون « ذَلِكَ » إشارة إلى الأمر المدبَّر، ويكون فاعلاً ( ليَعْرُجُ )، والأوصاف الثلاثة بدل من الضمير في « إلَيْهِ » أيضاً. وتكون الجلمة بينهما اعتراضاً.
قوله :« الَّذِي أَحْسَن » يجوز أن يكون تابعاً لما قبله في قراءتي الرفع والخفض، وأن يكون خبراً آخر وأن يكون خبر مبتدأ مضمر، وأن يكون منصوباً على المدح.
قوله :« خَلقَهُ » قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابنُ عامر : بسكون اللام، والباقون بفتحها فأما الأولى ففيها أوجه :
أحدها : أن يكون « خَلْقَهُ » بدلاً من :« كُلَّ شَيْءٍ » بدل اشتمال والضمير عائد على « كل شيء » وهذا هو المشهور.
الثاني : أنه بدل من كل. والضمير في « هذا » عائد على « الباري » تعالى، ومعنى « أحسن » حسن لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما يقتضيه الحكمة، فالمخلوقات كلها حسنة.
الثالث : أن يكون « كُلَّ شَيْءٍ » مفعولاً أول، و « خَلْقَهُ » مفعولاً ثانياً، على أن يضمن « أحسن » معنى أعْطَى وَألْهَمَ. قال مجاهد : وأعطى كل جنس شَكْلَهُ، والمعنى خلق كل شيء على شكله الذي خص به.
الرابع : أن يكون « كُلَّ شَيْءٍ » مفعولاً ثانياً قُدِّمَ و « خَلْقَهُ » مفعولاً أول أُخِّرَ على أن يضمن « أحْسَنَ » معنى ألْهَمَ وعَرَّفَ.
قال الفراء : ألهم كل شيء خلقه فيما يحتاجون إليه فيكون أعلمهم ذلك. ( وقال أب البقاء : ضمن « أحْسَنَ » معنى « عَرَّف » وأعرف على نحو ما تقدم إلا أنه لا بُدَّ أن يجعل الضمير ) لِلَّه تعالى، ويجعل الخلق بمعنى المخلوق أي عرف مخلوقاتهِ كُلَّ شيء يحتاجون إليه فيؤول المعنى إلى معنى قوله :﴿ أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى ﴾ [ طه : ٥٠ ].
الخامس : أن تعود الهاء على « الله » تعالى وأن يكون « خَلْقَهُ » منصوباً على المصدر المؤكد لمضمون الجملة كقوله :﴿ صُنْعَ الله ﴾ [ النمل : ٨٨ ]، وهو مذهب سيبويه أي خَلَقَهُ خَلْقاً، ورُجِّحَ على بدل الاشتمال بأن فيه إضافة المَصْدَر إلى فاعله، وهو أكثر من إضافته إلى المفعول وبأنه أبلغ في الامتنان لأنه إذا قال :﴿ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ كان أبلغ من ﴿ أحسن خلق كل شيء ﴾ ؛ لأنه قد يحسن الخلق وهو المحاولة ولا يكون الشيء في نفسه « حسناً » وإذا قال :﴿ أحْسَنَ كُلَّ شَىْء ﴾ اقتضى أن كل ( شيء ) خلقه حسن بمعنى أنه وضع كل شيء في موضعه.