٤٢٦٦- وَحَدِيثٍ مَا عَلَى قَصْرِهِ... وانظر هل بقي لها معنى قط؟ « وَظَنَّ داوُد أَنَّمَا فَتَنَّاهُ » أي امتحناه، قرأ العامة فتَنَّاهُ بالتخفيف وإسناده إلى الضمير المتكلم المعظِّم نفسه، وعمر بن الخطاب والحسن وأبو رجاء فَتَّنَاه بتشديد التاء. وهي مبالغة وقرأ الضحاك : أَفْتَنَّاهُ يقال : فَتَنَهُ وأَفْتَنَهُ أي حَمَلَهُ على الفِتْنَةِ ومنه :
٤٢٦٧- لَئِنْ فَتَنَتْنِي لَهيَ بِالأَمْسِ أَفْتَنَتْ | ....................... |
فصل
قال المفسرون : إن الظن ههنا بمعنى العلم؛ لأن داودَ عليه ( الصلاة و ) السلام لما قضى بينهما نظر أحَدُهُمَا إلى صاحبه فضحك، ثم صَعَد إلى السماء قبل وجهه فعل داود أنَّ الله ابْتَلاَهُ بذلك فثبت أن داود علم بذلك. وإنما جاز حمل لفظ الظن على العلم، لأن العلم الاستدلاليّ يشبه الظنّ مشابهةً عظيمةم والمشهابهة علة لجواز المجاز قال ابن الخطيب : هذا الكلام إنما يلزم إذا قلنا الخصمان كانا ملكين إما إذا لم يُقَلْ ذلك لا يلزمنا حمل الظن على العمل بل لقائل أن يقول : إنه لمَّا غَلَب على ظنه حصول الابتلاء من الله تعالى اشتغل بالاستغفار والإنابة.
قوله :﴿ فاستغفر رَبَّهُ ﴾ أي سأل الغفران من ربه، ثم ههنا وجهان إن قلنا : إنه صدرت منه زَلَّة حمل هذا الاستغفار عليها وإن لم يُقَلء به قلنا فيه وجوه :
الأول : أن القوم لما دخولا عليه قاصدين قتله وإنه كان سلطاناً شديدَ القهر عظيمَ القوة مع القدرة الشديدة على الانتقام ومع محصول الفزغ في قلبه عفا عنهم ولم يقل لهم شيئاً قَرُب الأمر من أن يدخل قبله شي من العُجْب فاستغر ربَّه من تلك الحالة وأناب إلى الله، واعترف بأن إقدامه على ذلك الخير ما كان إلا بتوفيق الله فغفر له وتجاوز عنه بسبب طَرَيَانِ ذلك الخاطر.
الثاني : لعله هَمَّ بإيذاء القوم، ثم قال : إنه لم يدل دليل قاطع على أن هؤلاء قصدوا الشر فعفا عنهم ثم استغفر من ذلك الهم.
الثالث : لعل القوم تابوا إلى الله تعالى وطَلَبُوا منه أن يستغفر الله ( لهم ) ولأجل أن يَقْبَلَ توبتهم فاستغفر وتضرع إلى الله فغفر له توبتهم بسبب شفاعته ودعائه. وهه كلها وجوهٌ محتلمة ظاهرةٌ، والقرآن مملوء من أمثال هذه الوجوه، وإذا كان الفظ محتملاً لما ذكرناه ولم يقم دليل قطعي ولا ظني على التزام ما ذكروه من المنكرات فما الذي دل عليه التزامه والقول به؟ ويؤد ما ذكرنا أنه تعالى ختم هذه القصة بقوله :﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾ ومثل هذه الخاتمة إنما يحصل في حقّ من صدر عن امتثال الأوامر في الخدمة والطاعة وتحمل أنواعاً من الشدائد في الموافقة والانقياد.