قوله :﴿ ذَلِكَ ﴾ الظاهر أنه مفعول « غَفَرْنا » وجوز أبو البقاء فيه أن يكون خبر مبتدأ مضمر أي الأمرُ ذلِك ولا حاجة إلى هذا والمشهور أَنَّ الاستغفار إنما كان بسبب قصة النَّعْجَة، والنِّعاج، وقيل : بسبب أنه حَكَمَ لأحد الخصمين قبل أن يسمع كلام الثاني، وذلك غير جائز.
قوله :﴿ ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض ﴾ أي تدبر أمور العباد بأمرنا، واعلم أنه لما تمم الكلام في شرح الفقصة أردفها ببيان أن الله تعالى فوض إلى داودَ خلافةَ الأرض وهذا من أقوى الدلائل على فساد القول المشهور في القصة لأن من البعيد جداً أن يوصف الرجل بكونه ساعياً في سفك دماء المسلمين رغبة ف انتزاع أزواجهم منهم، ثم يذكر عقيبه أن الله فوَّضَ خلافة الأرض إليه. ثم في تفسير كونه خليفة وجهان :
الأول : جلعناك تَخْلُفُ من تقدمك من الأنبياء في الدعاء إلى الله تعالى وفي سياسة الناس لأن خليفة الرجل من يخلفُه وذلك إنما يعقل في حق من يصح عليه الغيبة، وذلك على الله محال.
الثاني : إنا جعلناك ممكناً في الناس نافذ الحكم فيهم. فبهذا التأويل يسمى خليفة، ومنه يقال خليفة الله في الرض وحاصله أن خليفة الرجل يكون نافذَ الحكم في رَعيته، وحيقية الخلافة ممتنعة في حق الله تعالى فلما امتنعت الحقيقة جعلت اللفظة ( مفيدةً ) للزوم نفاذ لك الحكم في تلك الحقيقة.
قوله :﴿ فاحكم بَيْنَ الناس بالحق ﴾ أي بالعدل لأن الأحكام إذا كانت مطابقةً للشريعة الحقيقة الإلهية انتظمت مصالح العالم واتسعت أبواب الخيرات، وإذا كانت الأحكام على وَفق الأهوية وتحصيل مقاصد الأنفس أقضى إلى تخريب العالم ووقوع الهَرَج والمَرَج في الخلق وذلك يُفْضي إلى هلاك ذلك الحاكم ولهذا قال :﴿ وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله ﴾، لأن متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله، والضلال عن سبيل الله يوجب سوء العذاب.
قوله :﴿ فَيُضِلَّكَ ﴾ فيه وجهان :
أظهرهما : أنه منصوب في جواب النهي.
الثاني : أنه عطف على « لاَ تَتَّبعْ » فهو مجزومٌ وإنما فتحت اللام لالتقاء الساكنين. وهو ونهي عن كل واحدة على حدته والأول فيه النهي عن الجمع بينهما وقد يترجح الثاني لهذا المعنى، وقد تقدم تقرير ذلك في البقرة في قوله ﴿ وَتَكْتُمُواْ الحق ﴾ [ البقرة : ٤٢ ].
وفاعل « فيضلك » يجوز أن يكون الهَوَى، ويجوز أن يكون ضميرَ المصدر المفهوم من الفعل أي فيضلك إتِّبَاعُ الهوى.
قوله :﴿ إِنَّ الذين يَضِلُّونَ ﴾ قرأ العامة بتفح ياء يضلون. وقرأ ابن عباس والحَسَنُ وأبو حيوةَ بضمها أي يُضِلونَ الناس وهي مستلزمة للقراءة الأولى فإنه لا يُضل غيره إلا ضَالٌّ بخلاف العكس.
قوله :﴿ بِمَا نَسُواْ ﴾ ما مصدرية والجار يتعلق بالاستقرار الذي تضمنه « لهم » و « لَهُمْ عَذَابٌ » يجوز أن يكون جملة خبراً ل « إنَّ » ويجوز أن يكون الخبر وحده الجار، و « عَذَابٌ » فاعل به وهو الأحس لقربه من المفرد.
فصل
قيل : معناه بما تركوا الإيمان بيوم الحساب. وقال الزجاج : بتركهم العمل ذلك اليوم، وقال عكرمة والسدي : في الآية تقديم وتأخير تقديره لهم عذاب شديد يَوْم الحساب بما نسوا أي تركوا القضاء بالعدل.