قوله تعالى :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾ قال ابن عباس : أي لا لثواب ولا لعقاب، احْتَجَّ الجُبَّائِيّ بهذه الآية على أنه تعالى لا يجوز أن يكون خالقاً لأعمال العِبَادِ قال : لأنه مشتملة على الكفر والفِسْق وكلها أباطيل فلما بين تعالى أنه ما خلق السماء والأرض وما بينهما باطلاً دل هذا على أنه لم يخلق أعمال العباد.
( وأيضاً قوله تعالى :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾ وعند المُجْبِرة أنه خلق الكافر لأجل أن يكفر والكفر باطل، فقد خلق الباطل، ثم أكد تعالى ذلك بأن قال :﴿ ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي كل من قال بهذا القول فهو كافر فهذا تصريح بأن مذهب المُجْبَرَةِ من الكفر. واحتج أهل السنة بأن هذه الآية تدل على أنه تعالى خلق أعمال العباد لأن الآية دَلَّت على أنه تعالى خلق ما بين السماء والأرض وأعمال العباد مما بين السماء والأرض فوجب أن يكون تعالى خالقاً لها.
فصل
دلت الآية على صحة القَوْل بالحَشْر لأنه تعالى لما خلق الخلق في هذا العالم فإما أن يكون خلقهم للإضرار أو الانتفاع، أو لا لشيء، والأول باطلن لأن ذلك لا يليق بالرحيم الكريم، والثالث أيضاً باطل؛ لأن هذه الحالة حاصلةٌ حين كانوا معدومين، فلم يبق إلا أن يقال : خلقهم للانتفاع فذلك الانتفاع إما أن يكون في حياة الدنيا أو في حياة الآخرة، والأول باطل لأن منافع الدنيا قليلة ومضارَّها كثيرة وتحمل الضرر الكثير لوجدان المنفعة القليلة لا يليق بالحكمة، ولما بطل هذا القول ثبت القول بوجود حياة أخرى بعد هذه الحياة، وذلك هو القول بالحشر والنَّشْرِ والقِيَامَة.
قوله :﴿ بَاطِلاً ﴾ يجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أو حالاً من ضمير أي خلقاً باطلاً، ويجوز أن يكون حالاً من فاعل « خَلقنا » أي مُبْطِلِنَ، أو ذَوِي باطِلٍ، ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله أي لِلْبَاطِل وهو العَبَثُ.
قوله :﴿ ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ يعني أهل مكة هم الذين ظنوا أنهم خلقوا لغير شيءٍ وأنه لا بعثَ ولا حِسَاب ﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار ﴾.
قوله :﴿ أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض ﴾ أم في الموضعين منقطعة وقد تقدم ما فيها. قال مقاتل : قال كفار قريش للمؤمنين : إنَا نُعْطَى في الآرخة من لاخير ما تُعْطَوْنَ فنزلت هذه الآية :﴿ أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار ﴾ أي المؤمنين كالكفار، قيل : أراد بالمتقين أصحاب النبي - ﷺ -.
قوله :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ ﴾ يجوز أن يكون « كتاب » خبر مبتدأ مضمر، أي هذا كتاب و « أَنْزَلْنَاهُ » و « مبارك » خبر مبتدأ مضمر أو خبر ثاني ولا يجوز أن يكون نعتاً ثانياً لأنه لا يقتدم عند الجمهور غير الصريح على الصَّريحِ، ومن يرى ذلك استدل بظاهرها وقد تقدم تحرير هذا في المائِدَةِ.
قوله :﴿ ليدبروا ﴾ متعلق « بأَنْزَلْنَاه » وقرئ : مباركاً على الحال اللاَّزمة، لأن البركة لا تفارقه وقرأ علي - رضي الله عنه - ليَتَدبَّرُوا، وهي أصل قراءة العامة، فأدغمت التاء في الدال، وأصلها لتتدبروا بتاءين فحذفَت إحداهما، وفيها الخلاف المشهور هل هي الأولى أو الثانية، قال الحسن : تدبروا آياته ( أتباعه ) « وليتذكَّر » ليتعظ أولو الألباب أي العقول.