وعلى التقديرين فلا رابطَ. وأجيب بوجهين :
أحدهما : قول البصريين وهو أن ثَمَّ خبراً مقدراً تقديره الأبوابُ منها.
والثاني : أن ( « أل » ) قامت مقام الضمير، إذ الأصل أبوابها، وهو قول الكوفيين وتقد تحقيق هذا. والوجهان جريان في قوله :﴿ فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى ﴾ [ النازعات : ٤١ ].
الثاني : أنها مرتفعة على البدل من الضمير في متفحة العائد على جنات. وهو قول الفارسي لما رأى خلوّها من الرابط لفظاً ادّعى ذلك. واعترض على هذا بأن هذا من بدل البعض أو الاشتمال وكلاهما لا بدّ فيهما من ضمير فيضطر إلى تقديره كما تقدم. ورجح بعضهم الأول بأن فيه إضماراً واحداً وفي هذا إضماران وتبعه الزمخشري فقال « والأبواب » بدل من الضمير في « مفتحة » أي مفتحة هي الأبواب كقولك :« ضُرِبَ زَيْدٌ الْيَدُ والرِّجْلُ » وهو من بدل الاشْتِمال.
فقوله :« بدل الاشتمال » إنما يعني به الأبواب لأن الأبواب قد يقال : إنها ليست بعض الجنات، وأما ضرب زيد اليد والرجل فهو بعض من كل ليس إلا.
وقرأ زيد بن علي وأبو حيوة جنات عدن مفتحة برفعها إما على أنها جملة من مبتدأ وخبر، وإما على كل واحدة خبر مبتدأ مضمر أي هِيَ جناتٌ هِيَ مفتحةٌ.
قوله :﴿ مُتَّكِئِينَ ﴾ حال من « لهم » العامل فيها مفتحة، وقيل : العامل « يَدْعُونَ » ( و ) تأخر عنها. وقد تقدم منع أبي البقاء أنها حال من « للمتقين » وما فيه، و « يَدْعُونَ » يجوز أن يكون مستأنفاً وأن يكون حالاً إما من ضمير « متكئين » وإما حالاً ثانيةً.

فصل


اعلم أنه تعالى وصف أحوال أهل الجنة في هذه الآية بأشياء :
أولها : أحوال مساكنهم جنات عدن وذلك يدل على أمرين :
أحدهما : كونها بساتينَ.
والثاني : كونها دائمةً ليست منقضيةً، وقوله :﴿ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب ﴾ قيل : المراد أن الملائكة يفتحو ( ن ) لهم أبواب الجنة يُحَيُّونهم بالسلام كما قال تعالى :﴿ حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ ﴾ [ الزمر : ٧٣ ] وقيل : الحق أنهم كلما أرادوا انفتاح الأبواب انفتحت لهم وكلما أرادوا انغلاقها انغلقت لهم، وقيل : المراد من هذا الفتح وصف تلك المساكن بالسِّعة وقُرَّة العيون فيها، وقوله :﴿ مُتَّكِئِينَ ﴾ قد ذكر في آيات أخر كيفية ذلك الاتّكاء فقال في آيةٍ ﴿ عَلَى الأرآئك مُتَّكِئُونَ ﴾ [ يس : ٥٦ ] وق في آخرى :﴿ مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ﴾ [ الرحمن : ٧٦ ] « يَدْعُونَ فِيهَا » فِي الجنات بألوان الفاكهة وألوان الشراب والتقدير بفاكهة كثيرة وشارب كثير، ولما بين المسكن والمأكول والمشروب ذكر ألأمر المنكوح فقال ﴿ أَتْرَابٌ ﴾ أي من غيرهم وقوله « أَتْرَابٌ » أي على سنِّ واحد، وقيل : بنات ثلاث وستين سنة واحدها تِرْب. وعند مجاهد : متواخِيات لا يَتَبَاغَضْنَ ولا يَتَغَايَرن، وقيل : أتراب للأزواج، وقال القفال : والسبب في اعتبار هذه الصفة أنهن لما تَشَابَهْنَ في الصِّفة والسن والجِبِلّة كان الميل إليهن على السَّوِيَّة وذلك يقتضي عدم الغيرة.


الصفحة التالية
Icon