وهذا آخر شرح أحوال الكفار مع الذين كانوا أحباباً لهم في الدنيا، وأما شرح أحوالهم مع الذين كانوا اعاء لهم في الدنيا فهو قوله :﴿ وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأشرار ﴾ أي أن صناديد قريش قالوا، وهم في النار :﴿ وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأشرار ﴾ في الدنيا يعنون فقراء المؤمنين عماراً وخباباً وصهيباً وبلالاً وسلمان وسموهم أشراراً إما بمعنى الأرذال الذين لاَ خير فيهم ولا جدوى أو لأنهم كانوا على خلاف دينهم فكانوا عندهم أشْراراً.
قوله :﴿ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً ﴾ قرا الأخوان وأبو عمرو بوصل الهمزة، وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون خبراً محضاً وتكون الجملة في محل نصب صفة ثانية « لرجالاً » كما وقع « كُنَّا نَعُدُّهُمْ » صفة وأن يكون المراد الاستفهام وحذفت أداته لدلالة « أَمْ » عليها كقوله :
٤٢٧٩- تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أَمْ تَبْتَكِر | وَمَاذَا عَلَيْكَ بِأَنْ تَنْتَظِر |
٤٢٨٠-........................ | جَاؤُوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأيْتَ الذِّئْبَ قَطّ |
٤٢٨١- إنّي أَتَانِي لِسَانٌ لاَ أُسَرُّ بَِهَا | مِنْ عَلْوِ لاَ كَذِبٌ فِيهَا ولا سُخْرُ |
فإن قيل : فما الجملة المعادلة بقوله :« أم زاغت » على القراءة الأولى؟
فالجواب : أنها محذوفة، والتقدير : أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ وقرأ نافعٌ سُخْريًّا - بضم السِّين- والباقون بكسرها فقيل : هما بمعنى، وقيل : الكسر بمعنى الهُزْء، وبالضم التذليل والتسخير وأما نظم الآية على قراءة الإخبار فالتقدير : مَا لَنَا نَرَاهُمْ حَاضِرينَ لأجْلِ أنَّهُمْ لحَقَارَتِهمْ تُركوا لأجل أنهم زاغت عنهم الأبصار، ووقع التعبير عن حقارتهم بقولهم :« أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْريًّا » وأما على قراءة الاستفهام فالتقدير لأجل أنّا قد اتخذناهم سخرياً وما كانوا كذلك فلم يدخلوا لأجل أنه زاغت عنهم الأبصار.