فصل
روي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخي منها صاحبها، ما أحب من غير مشقة فهو يقبض أنفُسَ الخَلْقِ من مشارق الأرض ومغربها، وله أعوان من ملائكة الرحمة وأعوان من ملائكة العذاب، وقال ابن عباس : خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب، وقال مجاهد : جعلت الأرض مثل طِسْتٍ يتناول منها حيث شاء.
قوله :﴿ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ أي تصيرون إليه أحياء فيجزيكم بأعمالكم، وقرأ العامة : تُرْجَعُونَ ببنائه للمفعول، وزيد بن علي : ببنائه للفاعل.
قوله :« وَلَوْ تَرَى » في « لو » هذه وجهان :
أحدهما : أنها لِمَا كان سَيَقَعُ لوقوعه غيره. وعبَّر عنها الزمخشري بامتناعٍ لامْتِنَاع، وناقشه أبو حيان في ذلك. وقد تقم تحقيقه أول البقرة، وعلى هذا جوابها محذوف أي لرأيت أمر فظيعاً.
والثاني : أنها للتمني. قال الزمخشري كأنه قيل : وليتك ترى. وفيها إذا كانت للتمنِّي خلافٌ على تقتضي جواباً أم لا، وظاهر تقدير الزمخشري هنا أنه لا جواب لها.
قال أبو حيان : والصحيح أن لها جواباً وأنشد :
٤٠٦٥- فَلأَوْ نُبِشَ المِقَابِرُ عَنْ كُلَيْبٍ | فَيُخْبِرَ بالذَّنَائِبِ أَيُّ زِيرِ |
بِيَوْمِ الشَّعْثَمَيْنِ لقَرَّ عيْناً | وَكِيْفَ لِقَاءُ مَنْ تَحْتَ القُبُورِ |
قوله :« نَاكِسُوا » العامة على أنه اسم فاعل مضاف لمفعوله تخفيفاً، وزيدُ بن علي « نَكِسُوا » فعلاً ماضياً « رُؤُوسَهُمْ » مفعول به، والمعنى مُطَأطِئُون رُؤُوسِهِمْ.
قوله :« رَبَّنا » على إضمار القول، وهو حال أي قائلينَ ذلك، وقدره الزمخشري يَسْتَغيثُونَ بقولهم، وإضمار القول أكْثَرُ.
قوله :« أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا » يجوز أن يكون المفعول مقدراً أي أ [ صرنا ما كنّا نكذب وسمعنا ما كنا ننكر. ويجوز أن لا يقدر أي صِرْنَا بُصَرَاءَ سَمِيعِينَ فارْجِعْنَا ( إلى الدنيا ) نَعْمَل صِالِحاً « يجوز أن يكون » صالحاً « مفعولاً به، وأن يكون نعت مصدر، وقولهم » إنَّا مُوقِنُونَ « أي إنا آمنا في الحال، ويحتمل أن يكون المراد أنهم ينكرون الشرك كقولهم :﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ].