قوله :﴿ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾ رشدها وتوفيقها للإيمان، وهذا جواب عن قولهم : ربنا أبَصْرنَا وَسَمِعْنَا وذلك أن الله تعالى قال : إني لو رجعتكم إلى الإيمان لهديتكم في الدنيا، ولما لم أهدكم في الدنيا تبين أني ما أردتُ وما شئت إيمانكم فلا أردكم، وهذا صريح في الدلالة على صحة مذهب أهل السنة حيث قالوا إن الله تعالى ما أراد الإيمان من الكافر، وما شاء منه إلا الكُفْرَ.
قوله :﴿ ولكن حَقَّ القول مِنِّي ﴾ وجب القول ( مني ) وهو قوله تعالى :﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ ﴾. ﴿ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ ﴾ قال مقاتل : إذا دخلوا النار قال لهم الخزنة :﴿ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذآ ﴾ أي تركتم الإيمان به في الدنيا. « لِقَاءَ يَوْمِكُمْ » ( يجوز فيه أوجه :
أحدها : أنها من التنازع لأن « ذُوقُوا » يطلب « لِقَاء يَوْمِكُمْ » و « نَسِيتُمْ » يطلبه أيضاً أي ذُوقُوا عَذَابَ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ ) هذا بما نَسِيتُمْ عذاب لقاء يومكم هذا ويكون من إعمال الثاني عند البصريين ومن إعمال الأول عند الكوفيين، والأول أصح لللحذف من الأول؛ إذ لو عمل الأول لأضمر في ( الثاني ).
الثاني : أن مفعول « ذُوقُوا » محذوف أي ذُوقُوا العذاب بسبب نِسْيَانِكم لقاءَ يومكم، ( و « هذا » على هذين الإعرابين صفة « ليَوْمِكُمْ ».
الثالث : أن يكون مفعول « ذُوقُوا » « هَذَا » والإشارة به إلى العذاب، والباء سببية أيضاً أي فذوقها هذا العذاب بسبب نِسْيَانكم لقاء يومكم )، وهذا ينبو عنه الظاهر، قال ابن الخطيب « هذا » يحتمل ثلاثة أوجه : أن يكون إشارة إلى اللقاء ( وأن يكون إشارة إلى اليوم )، وأن يكون إشارة إلى العذاب، ثم قال :« إنَّا نَسِينَاكُمْ » تركناكم غيرَ ملتفت إليكم ﴿ وَذُوقُواْ عَذَابَ الخلد بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ من الكفر والتكذيب.
قوله :﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الذين إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً ﴾ سقطوا على وجوههم ساجدين ﴿ وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾، قيل : سلموا بأمر ربهم. وقيل : قالوا سُبْحَانَ الله وبحمده ﴿ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ عن الإيمان به والسجود له.
قوله :﴿ تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع ﴾ يجوز في « تَتَجَافَى » أنْ يكون مستأنفاً، وأن يكون حالاً وكذلك « يَدْعُونَ » إذا جعل « يَدْعُون » حالاً احتمل أن يكون حالا ثانية، وأن يكون حالاً من الضمير في « جنوبهم » ؛ لأن المضارع خبرٌ، والتجافي الارتفاع، وعبر به عن ترك النوم، قال ابن رواحة :

٤٠٦٦ - نَبِيٌّ تَجَافَى جَنْبُهُ عَنْ فِرَاشِهِ إذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ المَضَاجِعُ
والمعنى يرتفع ( وينبو ) جنوبهم عن المضاجع جمع المضْجَع وهو المَوْضِع الذي يَضْطَجِعُ عليه يعني الفراش وهم المتهجدون بالليل الذين يقيمون الصلاة، قال أنس : نزلت فينا مَعْشَرَ الأنصار، كنا نصلي المغرب الصلاة فلا نرجع إلى رحالنا حتى نُصَلِّيَ العشاءَ مع - النبي ﷺ -.


الصفحة التالية
Icon