« لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ حِصْنِي، وَمَنْ دَخَلَ حَصْنِي أَمِنَ عَذَابِي وهذا قول من يقول لا تضر المعصية مع الإيمان كما لا ينتفع بالطاعة مع الكفر » وقال الأكثرون الآية متناولة لكل ما يخلق الله به من الأوامر والنواهي لأن قوله تعالى « فاعبد الله » عام.
ورُوِيَ أن امرأة الفَرَزْدَق لما قَرُبَتْ وقاتها أوصلت أن يصلي الحسن البصري عليها، فما دفنت قال الحسن للفرزدق : أبا فِرَاس ما الذي أعددت لهذا الأمر؟ قال شهادة أن لا إله إلاّ الله. قال الحسن : هذا العمود فأي الطُّنُب؟ فبين هذا اللفظ الوجيز أن عمود الخيمة لا ينتفع به إلا مع الطنب حتى يمكن الانتفاع بالخيمة. قال القاضي : فأما ما يروى أن النبي - ﷺ - قال لمعاذ وأبي الدرداء : وإنْ زَنَا وإنْ سَرقَ على رغم أنف أبي الدرداء فإن صح فإنه يجب أن يجب أن يحمل عليه بشرط التوبة وإلا لم يَجُز قبول هذا الخبر لأنه مخالف للقرآن، ولأنه يوجب أن يكون الإنسان مزجوراً عن الزّنا والسَّرقة ويكون إغراء له لفعل القبيح، وذلك ينافي حكمة الله، وهذا يدل على أن اعتقاد فعل القبيح لا يضر مع التمسك بالشهادتين، هذا تمام قول القاضي.
قال ابن الخطيب : فقال له : أمّا قولك : إن القول بالمغفرة مخالفٌ للقرآن فليس كذلك بل القرآن يدل عليه قال تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ٤٨ ] وقال :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ ﴾ [ الرعد : ٦ ] كما يقال : رأيت الأمير على أكله وشربه أي حين كونه آكلاً وشارباً. وقال :﴿ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] وأما قوله : إن ذلك يوجب الإغراء بالقبيح فيقال له : إن كان الأمر كذلك وجب أن يقبح غفرانه عقلاً. وهذا مذهب البَغْدَاديّ من المعتزلة، وأنت لا تقول به لأن مذهب البصريين غفرانُ الذنب جائز عقلاً، وأيضاً فيلزم عليه أن لا يحصل الغفران بالتوبة لأنه إذا علم أنه أذنب ثم تاب غفر الله له لم ينزجر، وأما الفرق الذي ذكره القاضي فبعيد لأنه إذا عزم على أن يتوب عنه في الحال علم أنه لا يضر ( ه ) ذلك الذنب البتة. ثم نقول : مَذْهَبُنَا أنّا نقطع بحصول العفو عن الكبائر في الجملة إلا أنه تعالى لم يقطع بحصول هذا الغفران في حق كل أحد بل في حق من يشَاء وإذا كان الأمر كذلك كان الخوف حاصلاً والله أعلم.
قوله :﴿ ١٦٤٩; لَّذِينَ اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ يجوز فيه أوجه :
أحدهما : أن يكون « الذين » مبتدأ، وخبره قول مضمر حذف وبقي معموله وهو قوله :﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ ﴾ والتقدير : يَقُولُون مَا نَعْبُدُهُمْ.
الثاني : أن يكون الخبر قوله :﴿ إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ ويكون ذلك القول المضمر ( في محل نصب على الحال أي والَّذين اتخذوا قَائِلينَ كذا إِنًّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُم.


الصفحة التالية
Icon