﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ].
قوله :﴿ الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ﴾ لما أعاد دليل الآفاق بقوله :﴿ الله الذي يُرْسِلُ الرياح ﴾ [ الروم : ٤٨ ] أعاد دليلاً من دلائل الأنفس أيضاً وهو خلق الآدمي وذكر أحواله فقال :﴿ خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ﴾ أي ( بأذى ضعف ) كقوله :﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾ [ المرسلات : ٢٠ ]، وقرىء :« ضُعْف » بضم الضاد، وفتحها، فالضم لُغة قريش، والفتح لغة تميم « » مِنْ ضَعْف « أي من نطفة. وتقدم الكلام في القراءتين والفرق بينهما في الأنفال، ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ﴾ ( أي ) من بعد ضعف الطفولية شباباً وهو وقت القوة ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً ﴾ هَرَماً » وَشَيْبَةً « والشيبة هي تمام الضعف ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾.
( فإن قيل : ما الحكمة في قوله ههنا :﴿ وَهُوَ العليم القدير ﴾ ) فقدم العلم على القدرة، وقولِهِ من قبل :﴿ وَهُوَ العزيز الحكيم ﴾ والعزة إشارة إلى كما القدرة، والحكمة إشارة إلى كمال العلم، فقدم القدرة هناك على العلم؟!.
فالجواب أن المذكور هناك الإعادة ﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المثل الأعلى فِي السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم ﴾ لأن الإعادة بقوله :» كُنْ فَيَكُونَ « فالقدرة هناك أظهر وههنا المذكور الإبداء وهو أطوارٌ وأحوالٌ والعلم بكل حال حاصل فالعلم هَهُنا أظهر ثم إن قوله تعالى :﴿ وَهُوَ العليم القدير ﴾ فيه تبشير وإنذار؛ لأنه إذا كان عالماً بأحوال الخلق يكون عالماً بأحوال المخلوق فإن علموا خيراً علمه ثم إذا كان قادراً فإذا علم الخير أثاب، وإذا علم الشر عاقب، ولما كان العلم بالأحوال قبل الإثابة والعقاب اللَّذَيْن هما بالقدرة ( والعلم ) قدم العِلم، وأما الآية الأخرى فالعلم بتلك الأحوال قبل العقاب فقال :﴿ وَهُوَ العزيز الحكيم ﴾.