قوله :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون ﴾ يحلف المشركون « مَا لَبِثُوا » في الدنيا « غَيْرَ سَاعَةٍ » أي إلا ساعة، لما ذكر الإعادة والإبداء ذكره بذكر أحوالها ووقتها.
قوله :« مَا لَبِثُوا » جواب قوله « يُقْسِمُ » وهو على المعنى؛ إذا لو حكى قولهم بعينه لقيل : ما لبثنا، والمعنى أنهم استلقوا أجل الدينا لما عاينوا الآخرة. وقال مقاتل والكلبي : ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال :﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا ﴾ [ النازعات : ٤٦ ] وقوله :﴿ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ﴾ [ الأحقاف : ٣٥ ].
قوله :« كَذَلِكَ » أي مثْلُ ذَلِكَ الإفك « كانَوا يُؤفَكُونَ » أي يصرفون عن الحق في الدنيا، وقال الكلبي ومقاتل كذبوا في ( قبورهم ) قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث، والمعنى أن الله تعالى أراد يَفْضَحَهُمْ فحلفوا على شيء ( يتبين ) لأهل الجمع أنهم كاذبون، ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم فقال :﴿ وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله ﴾ أي فيما كتب الله لكم في سابق علمه في اللَّبث في القبور. وقيل : في كتاب الله في حُكْم الله أي فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث فيكون « في كتاب الله » متعلقاً « بلَبِثْتُم » وقال مقاتل وقتادة : فيه تقديم وتأخير معناه وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يَوْم البَعْثِ.
و طفي « تَرِدُ بمعنى الباء [ و ] العامة على سكون عين » البَعْثِ « والحسن بفتحها، وقرىء، بكسرها، فالمكسور اسم، والمفتوح مصدر.
قوله :﴿ فهذا يَوْمُ البعث ﴾ في الفاء قولان : اظهرهما : أنها عاطفة هذه الجملة على » لَقَدْ لَبِثْتُمْ «.
وقال الزمخشري هي جواب شرط مقدر كقوله :
٤٠٤٦ - فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا... كأنه قيل : إن صحَّ ما قلتم إن » خرسان « أقصى ما يراد بكم وآن لنا أن نخلص وكذلك إن كنتم منكرين فهذا يوم البعث، ويشير إلى البيت المشهور.
قوله :» لا تَعْلَمُونَ « أي البعث أي ما يراد بكم ( أو ) لا يقدر له مفعول أي لم يكونوا من أولي العلم وهو المَنْع.٤٠٤٧ - قالوا خُرَاسان أقْصَى ما يُرادُ بِنَا قُلْنَا القُفُول فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا
فصل
اعلم أن الموعود بوعد إذا ضرب له أجل يستقل المدة ويريد تأخيرها، فالمجرم إذا حُشِرَ عَلِمَ أن مصيره ( إلى النار يستقل مدة اللَّبْثِ ويخترا تأخير الحشر والإبقاء في الإبقاء، والمؤمن إذا حُشِرَ عَلِمَ أن مصيره ) إلى الجنة فيستكثر المدة ولا يريد تأخيرها فيختلف الفريقان ويقول أحدهما : إن مدة لَبْثنا قليلٌ وإليه الإشارة بقوله :﴿ وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث ﴾ ونحن صرنا إلى يوم البعث، وهذا يوم البعث ﴿ ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ وقوعه في الدنيا يعني أن طلبكم ( التأخير لأنكم كنتم لا تعلمون البعث ولا تعترفون به، فصار مصيركم إلى النار فتطلبون التأخير ولا ينفعكم العلم به الآن.