قوله :﴿ لا إله إِلاَّ هُوَ ﴾ يجوز أن يكون مستأنفاً، وأن يكون خبراً بعد خبر.
فصل
قوله :« له الملك » يفيد الحصر أي له الملك لا لغيره، ولما ثبت أنه لا مُلْكَ إلا له وجب القول بأن لا إله إلا هو.
ولما بين بهذه الدلائل كمال قدرته وحكمته ورحمته زَيَّف طريقة المشركين وقال :﴿ فأنى تُصْرَفُونَ ﴾ عن طريق الحق بعد هذا البيان، وهذا يدل على أنهم لم يصرفوا بأنفسهم عن هذه البيانات بل صرفهم عنها غيرُهم وما ذلك الغير إلا الله وأيضاً فدليل العقل يقوي ذلك لأن كل أحد يريد تحصيل الحق والصواب فلمَّا لم يحصل ذلك فإنما حصل الجهل والضلال علمنا أنه من غيره لا منه. واستدلت المعتزلة بهذه الآيات أيضاً لأن قوله تعالى :﴿ فأنى تُصْرَفُونَ ﴾ تعجب من هذا الانصراف ولو كان الفاعل لذلك الصرف هو الله لم يبق لهذا التعجب معنى قوله :﴿ إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمْ ﴾ أي إنه تعالى ما كلف المكلفين ليجرّ إلى نفسه منفعةً أو ليَدْفَع عن نفسه مضرَّة لأنه تعالى غني على الإطلاق فيمتنع في حقه جر المنفعة ودفع المضرة، لأنه واجب الوجود لذاته وواجب الودود لذاته في جميع صفاته يكون غنياَ على الإطلاق وأيضاً فالقادر على خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والعرش والكرسيّ والعناصر الأربعة والمواليد الثلاثة ممتنع أن ينتفع بصلاة « زَيْدٍ » وصيامِ « عَمْرٍو » وأن يستضر بعدم صلاة هذا وعدم صيام ذلك.
ثم قال :﴿ وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر ﴾ أي وإن كَان لا ينفعه إيمانهم ولا يضره كفرهم، إلا أنه لا يرضى بالكفر. قال ابن عباس والسدي : لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر وهم الذين قال الله تعالى فيهم :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ [ الحجر : ٤٢ ] فيكون عاماً في اللفظ خاصاً في المعنى كقوله :﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله ﴾ [ الإنسان : ٦ ] يريد بعض العباد، وقال قتادة : لا يرضى لأحد من عباده الكفر أي لا يرضى لعباده أن يكفروا به. وهو قول السَّلَفِ قالوا : كُفر الكافر غير مرضي لله وإن كان بإرادته.
واحتج الجنائيّ بهذه الآية من وجهين :
الأول : أن المُجبرة يقولون : إن الله تعالى خلق العباد وأفعالهم وأقوالهم وكل ما خلقه حقّ وصواب، وإذا كان كذلك كان قد رَضِي بالكفر من التوجه الذي خلقه وذلك ضد الآية.
الثاني : لو كان الكفر بقضاء الله تعالى لوجب علينا أن نرضى به لأن الرضا بقضاء الله واجب وحيث اجتمعت الأمة على أن الرضا بالكفر كفر ثبت أنه ليس بقضاء الهو ليس أيضاً برضا الله تعالى وأجيب بوجوه :
أحدها : إن عادة القرآن جارية بتخصيص لفظ العباد بالمؤمنين كما قدماه عن ابْنِ عَبَاسٍ.