وثانيها : قول السلف المتقدم وأنشد ابنُ دُرَيْدٍ :

٤٢٩١- رَضِيتُ قَسْراً أو عَلَى القَسْرِ رِضا مَنْ كَانَ ذَا سُخْطٍ علَى صَرْفِ القضا
أثبت الرضا مع القَسْر.
وثالثها : هب أن الرضا هو الإرادة إلا أن قوله :﴿ وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر ﴾ عام فيتخصص بالآيات الدالة على أنه تعالى لا يريد الكفر لقوله تعالى :﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ [ الإنسان : ٣٠ ].
قوله :﴿ وَإِن تَشْكُرُواْ ﴾ أي تؤمنوا بربكم وتُطِيعُوه « يَرْضَهُ لَكُمْ » فَيثيبكم عليه. قرأ ابن كثير والكسائي وابن ذكوان يَرْضَهُو بالصلة. وهي الأصل من غير خلاف وهي قراءة واضحةٌ. قال الواحدي : من أشبع الهاء ( حتى ألحق فيها واواً لأن ما قبل الهاء متحرك فصار بمنزلة ضربه، وقرأ « يَرْضَهُ » بضم الهاء ) من غير صلة بلا خلاف نافعٌ وعاصمٌ وحمزة وقرأ « يَرْضَهُ » بإسكانها وصلاً من غير خلاف السُّوسِيُّ عن أبي عمرون، وقرأ بالوجهين أعني الإسكان والصلة الدّورِيّ عن أبي عمرٍو. وقرأ بالإسكان والتحريك من غير صلة هشام عن ابن عامر فهذه خمس مراتب للقراءة وقد تقدم توجيه الإسكان والقصر والإشباع أول الكتاب وما أنشد عليه، ولا يلتفت إلى أبي حاتم في تَغْليطه رَاوِي السكون؛ فإنها لغة ثابتةٌ عن بني عقيل وبني كَلاَبٍ.
قوله :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ قال الجبائي : هذا يدل على أنه لا يجوز أن يقال : غنه تعالى يأخذ الأولاد بذنوب الآباء واحتج به أيضاً من أنكر وجوب ضربالدية على العَاقِلَة. ثم قال :﴿ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ ﴾ وهذا يدل على إثبات البعث والقيامة ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ وهذا يدل على تهديد العاصي وبشارة المطيع وقوله :﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾ كالعلة لما سبق أي إنه إنما ينبئكم بأعمالكم لأنه عالم بجميع المعلومات فيعلم ما في قلوبكم من الدواعي والصوارف قال- ﷺ - :« إنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وَلاَ إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأَعْمَالِكُمْ ».
قوله :﴿ وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَا رَبَّه ﴾ لما بين فساد القول بالشِّركِ وبين أنه هو الذي يجب أن يعبد بين ههنا أن طريقة الكفار متاقضة لأنهم إذا مسهم الضر طلبوا دفعه من الله، وإذا أزال ذلك الضر عنهم رَجَعُوا إلى عبادة غيره فكان الواجب علهيم أن يتعرفوا بالله تعالى في جميع الأحوال لأنه القادر على إيصال الخير ودفع الشر فظهر تناقض طريقهم. والمراد بالإنسان الكافر، وقيل المراد : أقوام معينين كعُتْبَةَ بْنِ ريبعة وغيره. والمراد بالضر جميع المكاره سواء كان في جسمه أو ماله أو في أهله وولده، لأن اللفظ مطلق فلا معنى لتقييده.


الصفحة التالية
Icon