﴿ الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ﴾ [ النحل : ٣٢ ] أو بعد دخول الجنة لقوله :﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار ﴾ [ الرعد : ٢٣-٢٤ ] ويحتمل أن يكون هو الله تعالى كما قال :﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ ﴾ [ الأحزاب : ٤٤ ]، ثم قال ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ وهم الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم. وهذه الآية تدل على وجوب النظر والاستدلال لأنه مدح الإنسان الذي إذا سمع أشياء كثيرة يختار منها ما هو الأحسن الصوب وتمييز الأحسن الأصوب عما سواه لا يتأتى بالمساع وإنما يحجة العقل. واختلفوا في المراد باتِّباع الأحْسَنِ، فقيل : هو مثل أن يسمع القصاص والعفو فيعفو، لأن العفو مندوب إليه لقوله :﴿ وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ] وقيل : يسمع العزائم والرخص فيتبع الأحسن وهو العزائم، وقيل : يستمعون القرآن وغير القرآن فيتعبون القرآن وروى عطاء عن ابن عباس : آمن أبو بكر بالنبي - ﷺ - فجاءه عثمان وعبدُ الرحمن بن عوف وطلحةُ والزبيرُ وسَعْدُ بنُ أبي وقاص وسِعِيدُ بن زيدٍ فسألوه فأخبرهم بإيمانه فأمنوا فنزل فيهم :﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ وقال ابن الخطيب : إنا قبل البحث عن الدلائل وتقريرها والشهبات وتزييفها نَعْرض تلك المذاهب وأضدادها على عقلونا فكل ما حكم به أو العقل بأنه أفضل وأكمل كان أولى بالقبول، مثاله أن صريح العقل شاهد بأن الإقرار بأن ( إله العالم حي علام قادر حيكم رحيم أولى من إنكار ذلك فكان ذلك لامذهب ألوى والإقرار ) بأن الله لا يجري في سلطان الله على خلاف إرادته، والإقرار بأن الله تعالى فَرْدٌ أَحَدٌ صَمَدٌ، منزه عن التركيب والأعضاء أولى من القول بكونه متبعِّضاً، مؤلفاً، وأيضاً القول باستغنائه عن المكان والزمان أولى من القول بأنه لايستغني عنه ألبتة، فكل هذه الأبواب داخلة تحت قوله :﴿ الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ فهذا في أبواب الاعتقادات وأما أبواب التكاليف فهي قسمان : عبادات ومعاملات، أما العبادات فكقولنا : الصلاةُ التي يذكر في تحريمها : الله أكبرُ وهي بِنيّة ويقرا فيها بالفاتحة ويؤتى فيها بالطمأنينة في المواقف الخمسة وتيُتَشَهَّد فيها ويخرج منها بالسلام فلا شَكّ أنها أحسن من تلك التي لا يُراعى فيها شيء من هذه الأحوال، فوجب على العاقل أن يختار هذه الصلاة دون غيرها، وكذا القول في جميع أبواب العبادات.
وأما المعاملات فكما تقدم في القَصَاص والعفو عنه، وروي عن ابن عباس : أن المراد منه أن الرجل يجلس مع القوم فيسمع الحديث فيه محاسنُ ومساوئُ فيحدِّث بأحسنِ ما سمع وَيتركُ ما سواه.
قوله :﴿ الذين يَسْتَمِعُونَ ﴾ الظاهر أنه نعت « لعبادي »، أو بدل منه، أو بيان له، وقيل : يجوز أن يكون مبتدأً، وقوله :﴿ أولئك الذين ﴾ إلى آخره خبره، وعلى هذا فالوقف على قوله :« عِبَادِي » والابتداء بما بعده.