قال بعضهم : أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم.
قوله :﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً ﴾ نزلت في عليِّ بْن أبي طالب، والوليدِ بن عقبة بن أبي معيط أخِي عثمان لأمه وذلك أنه كان بينهما تنازع فقال الوليد بن عقبة لِعَلِيٍّ : اسْكُتْ فإنك فاسق فأنزل الله عزّ وجلّ :﴿ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يَسْتَوونَ ﴾ ولم يقل لا يستويان لأنه لم يرد مؤمناً واحداً ولا فاسقاً واحداً بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين. قوله :« لا يستوون » مستأنف؛ روي أن النبي - ﷺ - كان يعتمد الوقف على قوله « فاسقاً » ثم يبتدىء :« لا يَسْتَوونَ ».
قوله :﴿ أَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ لما ذكر أن المؤمن والفاسق لا يستويان بطريق الإجمال بين عدم استوائهما على سبيل التفصيل فقال :﴿ أَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى ﴾ قرأ طلحةُ « جنة المأوى » بالإفراد، والعامة بالجمع، أي التي يأوي إليها المؤمنون. وقرأ أبو حيوة نُزْلاً - بضم وسكون - وتقدم تحقيقه آخر آل عمران، ﴿ وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النار كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النار ﴾ وهذا إشارة إلى حال الكافر، واعلم أن العمل الصالح له مع الإيمان تأثير فلذلك قال :﴿ آمنوا وعملوا الصالحات ﴾، وأما الكافر فلا التفات إلى الأعمال معه فلهذا لم يقل :« وأما الذين فسقوا وعملوا السيئات » ؛ لأن المراد من « فَسَقُوا » كفروا، ولو جعل العقاب في مقابلة الكفر والعمل لظن ( أن ) مجرد الكفر ( لا ) عقاب عليه.
قوله :﴿ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ ﴾ صفة لعذاب، وجوز أبو البقاء أن يكون صفة للنار قال : وذكر على معنى الجَحِيم والحَريق.
قوله :﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى دُونَ العذاب الأكبر ﴾ قال أبيُّ بنُ كَعْبٍ والضَّحَّاكُ والحَسَنُ وإبْرَاهيمُ : العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وهو رواية الوَالبِيِّ عن ابن عباسٍ، وقال عكرمة عنه : الحدود، وقال مقاتل : الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف والعظام والكلاب. وقال ابن مسعود : هو القتل بالسيف يوم بدر وهو قول قتادة والسدي. وأما العذاب الأكبر وهو عذاب الآخرة فإن عذاب الدنيا لا نسبة له إلى عذاب الآخرة.
فإن قيل : ما الحكمة في مقابلته « الأدنى » « بالأكبر »، « والأدنى » إنما هو في مقابلة « الأقصى » « والأكبر » إنما هو مقابله « الأصغر » ؟
فالجواب : أنه حصل في عذاب الدنيا أمران : أحدهما : أنه قريب والآخر : أنه قليل صغير، وحصل في عذاب الآخرة أيضاً أمران، أحدهما : انه بعيد والأآخر أنه عظيم كبيرٌ لكن العرف في عذاب الدنيا هو أنه الذي يصلح التخويف به فإن العذاب العاجل وإن كان قليلاً فلا يَحْتَرِزُ عنه بعض الناس أكثر مما يَحْتَرِزُ من العذاب الشديد إذا كان آجلاً، وكذا الثواب العاجل قد يَرْعَبُ فيه بعض الناس ويستبعد الثوابَ العظيم الآجل.


الصفحة التالية
Icon