قوله :﴿ مَّثَانِيَ ﴾ قرأ العامة مَثَانِيَ- بفتح الياء - صفة ثانية، أو حالاً أخرى وقرأ هشامٌ عن ابن عامر وأبو بِشر بسكونها وفيها وجهان :
أحدهما : أنه تسكين حرف العلة استثقالاً للحركة عليه كقراءة :﴿ تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ] ( و ) ( قوله ) :
٤٢٩٦- كَأَنَّ أَيْدِيهِنَّ...... | ............................. |
والثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف أي هُوَ مَثَانِي. كذا ذكره أبو حيان، وفيه نظر من حيث إنه كان ينبغي أن ينون تحذف ياؤه لالتقاء السَّاكِنَيْنِ، فيقال : مثانٍ كما تقول : هَؤُلاَءِ جَوَارٍ، وقد يقال : إنه وقف عليه ثم أجْري الوصل مُجْرَى الوقف لكن يعترض عليه بأن الوقف على المنقوص المنون بحذف الياء نحو : هذَا قَاض وإثباتها لغةً قَلِيلُ، ويمكن الجواب عنه بأنه قد قرئ بذلك في المتواتر نحو :﴿ مِن وَالٍ ﴾ [ الرعد : ١١ ] و ﴿ بَاقٍ ﴾ [ النحل : ٩٦ ] و ﴿ هَادٍ ﴾ [ الرعد : ٧ ] في قراءة ابن كَثِيرٍ.
فصل
تقدم تفسير الكتاب عند قوله :« ذَلِكَ الْكِتَابُ » وقوله :« مُتَشَابِهاً » أي يشبه بعضهُ بعضاً ( في الحُسْن ويُصَدّق بعضهُ بعضاً ) ليس فيه تناقضٌ ولا اختلاف، قاله ابن عباس، وقوله :﴿ مَّثَانِيَ ﴾ جمع « مَثْنَى » أي يُثَنَّى فيه ذكرُ الوَعْدِ، والوعيد، والأمر، والنهي، والأخبار والأحكام، أو جمع « مَثْنَى مفعل من التَّثْنِية بمعنى التَّكرير، وإنما وصف كتاب وهو مفرد » بمَثَانِي « وهو جمع لأن الكتاب مُشْتَمِلٌ على سُوَةٍ وآياتٍ، وهو من باب : بُرْمَةٌ أعْشَارٌ، وثَوْبٌ أخْلاَقٌ. قاله الزمخشري وقيل : ثَمَّ موصوف محذوف أي فصولاً مَثَانِيَ، حذف للدلالة عليه، وقال ابن الخطيب : إن أكثر الأشياء المذكورة زَوْجَيْن زَوْجَيْن مثل الأمر، والنهي، والعام، والخاص، والمجمل، والمفصل، وأحوال السموات والأرض والجنة والنار، والضوء والظلمة، واللوح، والقلم، والملائكة، والشياطين، والعرض، والكرسيّ، والوعد، والوعيدن والرجاء والخوف والمقصود منه أن بيانَ كلِّ ما سَوى الحق زوج يدل على أن كل شيء ممثل بضدِّه ونقيضه وأن الفرد الأحد الحق هو اللَّهُ تَعَالَى.
قوله :﴿ تَقْشَعِرُّ ﴾ هذه الجملة يجوز أن تكون صفة » لكتاب « وأن تكون حالاً منه لاختاصه بالصفة، وأن تكون مستأنفة، واقشعر جلده إذا تَقَبَّض وتجمَّع من الخوف وقفَّ شعره، والمصدر الاقْشِعْرَارُ والقُشَعْرِيرةُ أيضاً ووزن اقْشَعرَّ افْعَلَلَّ، ووزن القُشَعْرِيرَة فُعَلِّيلَة.
فصل
قال المفسرون : تقشعر تضطرب وتشمئز ﴿ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ والاقشعرار تغير في جلد الإنسان عند الوَجَل والخوف، وقيل : المراد من الجولد القلوب أي قلوب الذين يخشون ربهم ﴿ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله ﴾ ( أي لذكر الله ) قيل : إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين لله وإذا ذكرت آيات الرحمة لانت وسكنت قلوبهم كما قال الله :