﴿ أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب ﴾ [ الرعد : ٢٨ ] وحقيقة المعنى أن قلوبهم تقشعر عند الخوف وتلين عند الرجاء قال عليه ( الصلاة و ) السلام :« إذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ منْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَحَاتَّتْ عَنَه ذُنُوبُهُ كَما يَتَحَاتُّ عَنش الشَّجَرَةِ اليَابِسَةِ وَرَقُهَا » وقال :« إذا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهث عَلَى النَّارِ » قال قتادة : هذا نعت أولياء الله نعتهم الله بأنهم تقشعرُّ جلودهم وتطمئن قلوبُهم ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغَشَيَان عليهم إنما ذلك في أهل البِدَع وهو من الشيطان وعن عروةَ بن الزّبير قال : قلت لجدّتي أسماءَ بنتِ أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله - ﷺ - يفعلون إذَا قرئ عليهم القرآن؟ ( قالت : كانُوا كَمَا نعتّهم الله عزّ وجلّ تَدْمَع أعينهُمْ وتَقْشَعرُّ جلودُهُمْ، قال : فقلتُ لها : إن ناساً اليوم إذا قرئ عليهم القرآن ) خَرَّ أحدهُم معشيًّاً عليه فقالت : أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم. وعن ابن عمر أنه مرّ برجل من أهل العراق ساقطٍ فقال : ما بالُ هذا؟ قالوا : إنه إذا قرئ عليه القرآنُ أو سَمع ذكرَ الله سَقَطَ فقال ابن عمر : إنّا لنخشى الله ( - عزّ وجلّ ) - وما نَسْقُط.
وقال ابن عمر : إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم ماكان هذا صنيع أصحابِ رسول الله ﷺ -.
فصل
قال الزمخشري : تركيب لفظ القُشَعْرِيرَة من حروف التَّقَشُّع وهو الأديمُ وضموا إليه حرفاً رابعاً وهو الراء ليكون رباعياً دالاً على معى زائد، يقال : اقشعرَّ جلده من الخوف ( إذا ) وقف شعره وهو مثل في شدة الخوف فإن قيل : كيف قال :« تَلِينُ إلى ذكر الله » فعداه بحرف « إلى » ؟
فالجواب : التقدير : تلين جلودهم وقلوبهم حال وصولها إلى حضرة الله وهو لا يحس الإدراك.
فإن قيل : كيف قال : إلى ذكر الله ولم يقل : إلى ذكر رحمة الله؟
فالجواب : أن من أحب الله لأجل رحمته فهو ما أحب الله لأجل رحمته فهو ما أحب الله وإنما أحب شيئاً غيره، وأما من أحبَّ الله لا لشيء سواه فهو المحب وفي الدرجة العالية فلهذا لم يقل : تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر رحمة الله وإنما قال : إلى ذكر الله وقد بين الله تعالى هذا بقوله :﴿ أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب ﴾ [ الرعد : ٢٨ ].
فإن قيل : لم ذكر في جانب الخوف قُشَعْرِيرة الجولد فقط، وفي جانب الرجاء لين الجلود والقلوب؟
فالجواب : لأن المكاشفة في مقام الرجاء أكمل منها في مقام الخوف لأن الخير مطلوب بالذات، والشر مطلوب بالعَرَض ومحل المكاشفات هي القلوب والأرواح والله أعلم.
ثم إنه تعالى : لما وصف القرآن بهذه الصفات قال :﴿ ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ فقوله « ذَلِكَ » إشارة إلى الكتاب وهو هُدَى الله وهو الذي شَرَحَ الله صدره ( أولاً ) لقبول الهداية ومن يضلل الله أي يجعل قلبه قاسياً مظلماً « فَما لَهُ مِنْ هَادٍ ».