قوله :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب ﴾ لما قرر الأصول الثلاثة عاد إلى الأمثل الذي بدأ به وهو الرسالة المذكورة في قوله :﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ ﴾ [ السجدة : ٣ ] وقال : إنَّكَ لَسْتَ بدْعاً مِنَ الرُّسُلِ بل كان قبلك رسلٌ مثلُك، وذكر موسى لقربه ( من ) النبيِّ - ﷺ - ووجود من كان على دينه إلزاماً لهم، وإنما لم يختر عيسى - عليه ( الصلاة و ) السلام ( للذكر ) والاستدلال لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوّته، وأما النصارى فكانوا يعترفون بنُبُوَّة عيسى عليه السلام فتمسك بالمجمع عليه.
قوله :﴿ فَلاَ تَكُنْ فِي مَرْيَةٍ ﴾ قرأ الحسن بالضم وهي لُغَةٌ، وقوله :« مِنْ لِقَائِهِ » في الهاء أقوال :
أحدها : أنها عائدة على « مُوسَى » والمصدر مضاف لمفعوله أي من لقائِكَ مُوسى ليلةَ الإسراء. وامْتَحَنَ المبردُ الزجاجَ في هذه المسألة فأجاب بما ذكر، قال ابن عباس وغيره : المعنى فلا تكن في شَكٍّ من لقاء موسى فإنك تراه وتلقاه، روى ابن عباس « عن النبي - ﷺ - قال : رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسري بي مُوسىَ رَحُلاً آدَمَ طُوالاً جَعْداً كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعاً إلى الحُمرةِ والبَيَاض سَبْطي الرأس، ورأيتَ مالِكاً خَازِنَ النَّارِ والدَّجَّال في آيات أَراهَنَي اللَّهُ إيَّاهُ »
والثاني : أن المضير يعود على « الكتاب » وحينئذ يجوز أن تكون الإضافة للفاعل أي من لقاء الكتاب لموسى أو للمفعول أي من لقاء موسى الكتاب لأن اللقاءَ يصح نسبته إلى كل منهما، لأن من لقيك فقد لقيته.
قال السدي المعنى فلا تكن في مِرْيَةٍ من لقائه أي تلقى موسى كتاب الله بالرضا والقبول.
الثالث : أي يعود على الكتاب على حذف مضاف أي من لقاء مثل كتاب موسى.
الرابع : أنه عائد على ملك الموت لتقدم ذكره.
الخامس : عوده على الرجوع المفهوم من قوله :﴿ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [ السجدة : ١١ ] أي لأنك في مرية من لقاء الرجوع.
السادس : أنه يعود على ما يفهم من سياق الكلام مِمَّا ابتلي ب موسى من البلاء والامْتِحَان، قاله الحسن. أي لا بدّ ان يلقى ما لقي موسى من قومه فاختار موسى عليه السلام لحكمة وهي أن أحداً من الأنبياء لم يؤذِهِ من قومه إلا الذين لم يؤمنوا، وأما الذين آمنوا به فلم يخالفوه غير قوم موسى عليه السلام فإن من لا آمن به آذاه كفرعون ( وغيره ) ومن آمن به من بني إسرائيل أيضاً ( آذاه ) بالمخالفة وطلب أِياء مثل رؤية الله جهرة وكقولهم :﴿ فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلاا ﴾ [ المائدة : ٢٤ ]. وأظهر هذه الأقوال أن الضمير إما لموسى وإما للكتاب، ثم بين ( أن له هداية غير عادية عن المنفعة كما أنه لم تحل هداية موسى حيث جعل الله كتاب موسى هدى ) وجعل منهم أئمة يهدون كذلك يجعل كتابك هدى ويجعل من أمتك صاحبة يهدون كما قال النبي - ﷺ - :