« أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُم اهْتَدَيْتُمْ »، ثم بين أن ذلك يحصل بالصبر فقال :﴿ ولَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾.
فصل
« لَمَّا صَبَرُوا » قرأ الأخوان بكسر اللام وتخفيف الميم، على أنها لام الجر و ( « ما » ) مصدرية، والجار متعلق بالجعل أي جعلناهم كذلك لصبرهم ولإيقانهم، والباقون بفتحها وتشديد الميم. وهي « لمَّا » التي تقتضي جواباً وتقدم فيها قولا سيبويه والفارسي، والمعنى حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمضّرَ.
قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ هذا يصلح أن يكون جواباً لسؤال وهو أنه تعالى لما قال :﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ ﴾ فكان لقائل أن يقول : كيف يَهْدُونَ وهم اختلفوا وصاروا فِرَقاً والحق واحد؟ فقال ( الله ) يبين المبتدع من المتبع كما يبين المؤمن من الكافر يوم القيامة.
قوله :﴿ أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ ﴾ بتبين لهم ﴿ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ القرون يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ﴾ لما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد وقال :﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ ﴾ وقوله ﴿ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ﴾ أي مساكن المُهْلَكِينَ ( لدلالة على حالتهم ) وأنتم تمشون فيها وتبصرونها ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ ﴾ آيات الله وعِظَاته واعتبر السمع لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم فقال :« أفلا يسمعون » ( يعني ) ليس لكم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه.
قوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ المآء إِلَى الأرض الجرز ﴾ قرىء الجُرْز - بسكون الراء - وتقدم أول الكهف. وهي الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها، قال ابن عباس : هي أرض باليمن، وقال مجاهد : هي أرض بأنين. والجرز هو القطع فكأنها المقطوع عنها الماء والنبات. لما بين الإهلاك وهو الإماتة بين الإحياء ليكون إشارة إلى أن الضرر والنفع بيد الله ثم قال :﴿ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ ﴾ من العشب والتبن « وأَنْفُسُهُمْ » من الحبوب والأقوات، وقدم الأنعام على الأنفس في الأكل لوجوه :
الأول : أن الزرع أول ما ينبت للدوابِّ ولا يصلح للإنسان.
الثاني : أن الزرع غذاء للدواب لا بدّ منه وأما غذاء الإنسان فقد يصلح للحيوان فكان الحيوان يأكل الزرع ثم الإنسان يأكل من الحيوان.
قوله :« أَفَلاَ يُبْصِرُونَ » قرأ العامة بالغيبة، ( وابن مسعود ) بالخطاب التفاتاً.
وقال تبصرون لأن الأمر ( يرى ) بخلاف حال الماضي فإنها كانت مسموعة. ثم لما بين الرسالة والتوحيد بّن الحشر فقال :﴿ وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ قيل : أراد بيوم الفتح يوم القيامة الذي فيه الحكم بين العابد قال قتادة : قال أصحاب النبي - ﷺ - للكفار : إنّ لنا يوماً ننعم فيه ونستريح ويحكم الله بيننا وبينكم فقالوا استهزاء :﴿ متى هذا الفتح ﴾ أي القضاء والحكم.