والثاني : أن العامل في الحال ما عمل في « إذا » الفجائية إذا كانت ظرفاً. فإن كانت مكانية- كما قال سيبويه - فالتقدير فبِالحَضْرة هُمْ قياماً، وإن كان زمانية كقول الرّمَّانِي فتقديره : فَفِي ذلكَ الزمان هُمْ قياماً أي وجودهم، وإنما احتيجَ إلى تقدير مضاف في هذا الوجه لأنه لا يخبر بالزمان عن الجُثث.
الثالث : أن الخبر محذوف هو العامل في الحال أي فإذا هم مبعوثُون أو مجموعون قياماً، وإذا جعلنا الفجائية حرفاً كقول بعضهم فالعامل في الحال إما « ينظرون »، وإمّا الخبر المقدر كما تقدم تحقيقهما.

فصل


لما ذكر كمال قدرته وعظمته بما سبق ذكره أردفه بذكر طريق آخر يدل أيضاً على كمال عظمته وهو شرح مقدمات يوم القيامة، لأن نفخ الصور يكون قبل ذلك اليوم، فقال :﴿ وَنُفِخَ فِي الصور ﴾ الآية.
اختلفوا في الصعقة فقيل : إنها غير الموت لقوله تعالى في موسى - عليه ( الصلاة و ) السلام ) - :﴿ وَخَرَّ موسى صَعِقاً ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] وهو لم يمت فهذه النفخة تورث الفزغ الشديد وعلى هذا فالمراد من نفخ الصعقة ومن نفخ الفزع واحد وهو المذكور في سورة النمل في قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَفَزِعَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله ﴾ [ النمل : ٨٧ ] وعلى هذا القول فنفخ الصور ليس إلا مرتين. وقيل : الصعقة عبارة عن الموت، والقائلون بهذا قالوا : المراد بالفزع أي كادوا يموتون من الفزع وشدة الصوت، وعلى هذا التقدري فالنخة الصعق، والثالثة نفخة القيام وهما مذكورتان في هذه السورة، وقوله :﴿ إِلاَّ مَن شَآءَ الله ﴾ قال ابن عباس : نفخة الصعق يموت من في السموات ومن في الأرض إلا جبريل وميكائيل وإسرافيل : وَيبْقَى جبريل وملك الموت، ثم يموت عزرائيل ثم يموت ملك الموت، وقيل : المستثنى هم الشهداء لقوله تعالى :﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [ آل عمران : ١٦٩ ] وروى أبو هريرة عن - ﷺ - أنه قال :« هُمُ الشَّهَدَاءُ مُتَقَلِّدُونَ أسْيَافَهُمْ حَوْلَ العَرْشِ » وقال جابر : هو موسى- ﷺ - لأنه صُعِقَ، ولا يصعق.
وقيل : هم الحور العين وسكان العرش والكرسي، وقال قتادة : الله أعلم بهم وليس في القرآن والأخبار ما يدل على أنهم من هم.
ثم قال :﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴾ وهذا يدل على أن هذه النفخة متأخرة عن النفخة الأولة لأن لفظة « ثم » للتراخي. وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - « مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْن أربعون »، قالوا : أرْبَعون يَوْماً قال : أبَيْتُ قالوا : أربعون شهراً قال : أبيت قالوا أربعون سنةً، قال : أبيت قال : ثم ينزل الله من السماء ماءً فتَنْبتُونَ كما ينبت البَقْلُ ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلاّ عظمٌ واحد وهو عَجبُ الذَّنَب، وفيه يركب الخلق يوم القيامة «.


الصفحة التالية
Icon