﴿ وَهُوَ الذي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرض وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ [ الأنعام : ١٦٥ ] وجعل لكل أحد من السعداء والأشقياء في الدنيا درجة معينة من موجبات السعادة وموجبات الشقاوة وفي الآخرة تظهر تلك الآثار. وإن جعلنا « الرفيع » على « المرتفع » فهو سبحانه أرفع الموجودات في جميع صفات الكمال والجلال. وقوله « ذُو العرْشِ » أي خالقه ومالكه ومدبره، و « يُلْقِي الرُّوح » أي ينزل الوحي من السماء روحاً لأنه تحيا به القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح وقوله « مِنْ أَمْرِهِ » متعلق ب « يُلْقِي »، و « مِنْ » لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حَالٌ من « الروح ».

فصل


قال ابن عباس رضي الله عنهما معنى من أمره أي من قضائه، وقيل : من قوله. وقال مقاتل بأمره على من يشاء من عباده. وقلوه :﴿ لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق ﴾ العامة على بنائه للفاعل، ونصب اليوم والفاعل هو الله تعالى أو الروح أو « مَنْ يَشَاءُ : أو الرسول، ونصب » اليوم « إما على الظرفية والمُنْذَرُ به محذوف تقديره لينذر العذابُ يوم التلاقي، وإما المفعول به اتساعاً في الظرف وقرأ ابيّ وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم على الفاعلية مجازاً أي لينذر الناس العذاب يوم التلاق. وقرأ الحسن واليمانيّ » لتنذر « بالتاء من فوق وفيه وجهان :
أحدهما : أن الفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول ﷺ.
والثاني : أن الفاعل ضمير الروح فِإنها مؤنثة على رأيٍ.
وقرأ اليماني أيضاً »
لينذر « مبنياً للمفعول » يوم « بالرفع وهي تؤيد نصبه في قراءة الجمهور على المفعول به اتساعاً. وأثبت ياء » التلاق « وصلاً ووقفاً ابن كثير، وأثبتها في الوقف دون الوصل من غيلا خلاف ورشٌ، وحذفهنا الباقون وصلاً ووقفاً إلا قَالُونُ، فإنه روي عنه وجهان، وجهٌ كورشٍ، ووجه كالباقين، وكذلك هذا الخلاف بعينه جارٍ في » يَوْم التَّنَادِ «. وقد تقدم توجيه هنذه الوجيهن في الرَّعْد في قوله :﴿ الكبير المتعال ﴾ [ الرعد : ٩ ].
قوله »
﴿ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ﴾ في « يوم » أربعةُ أوجه :
أحدها : أنه بدل من « يوم التلاق » بدل كل من كل.
الثاني : أن ينتصب بالتلاق أي يقع التلاق في يوم بُرُوزِهمْ.
الثالث : أن ينتصب بقوله لا يَخْفَى عَلَى اللهِ ( مِنْهُمْ شَيْءٌ ) ذكره ابن عطية. وهذا على أحد الأقوال الثللاثة في « لا » هل يعمل ما بعدها فيما قبلها؟ ثالثها التفصيل بين أن تقع جواب قسم فيمتنع أو لا فيجوز هذا على قولين من هذه الأقوال.
الرابع : أن ينتصب بإضمار « اذكر » و « يوم » ظرف مستقبل « كإذا ».


الصفحة التالية
Icon